Author

الكهرباء والطاقة المتجددة .. هل أصبحت مجدية؟

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تعد مصادر الطاقة المتجددة قلب التحول إلى مستقبل الطاقة المستدامة ومكافحة تغير المناخ، ومن أجل تبني مزيد من مصادر الطاقة المتجددة نشاهد عديدا من دول العالم، وقد سنت سياسات وأنظمة وتشريعات تتيح لمحطات الطاقة المتجددة الدخول في منظومة الكهرباء، بل إنها أعفت أو خففت بعض الرسوم، مثل الجمارك والضرائب وغيرهما، من أجل مزيد من الاستثمار والمنافسة. لقد كانت مصادر الطاقة المتجددة تاريخيا باهظة الثمن وتفتقر إلى قوة التسعير التنافسية مقارنة بالوقود التقليدي "الأحفوري"، لكن تغير بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. فلا تزال مصادر الوقود التقليدي مسؤولة عن أغلبية استهلاك الطاقة العالمي حاليا، ومصادر الطاقة المتجددة ليست بعيدة عنها. فقد قفزت حصة الكهرباء العالمية من مصادر الطاقة المتجددة من 18 في المائة في عام 2009 إلى ما يقرب من 28 في المائة في عام 2020، بحسب ما نشر في تقرير "لازارد" لتكاليف الطاقة المستوية Levelized Cost of Energy - لازارد Lazard هي شركة أمريكية تعمل في الاستشارات المالية - وكانت النتائج مذهلة، حيث أوضحت أن مصادر الطاقة المتجددة هي أرخص مصادر الكهرباء، وأدى الاعتماد المتزايد على الطاقة النظيفة إلى خفض تكلفة الكهرباء من محطات الطاقة المتجددة. لقد شهدت محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئيةSolar Photovoltaic ومحطات طاقة الرياح Onshore Wind، انخفاضا هائلا في التكلفة على مدار العقد الماضي. فقد نشر تقرير "لازارد" تكاليف محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، 359 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2009، وانخفضت إلى 37 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2020 بنسبة 90 في المائة، وانخفضت تكاليف محطات طاقة الرياح من 135 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2009 إلى 40 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2020 بنسبة 70 في المائة. أما محطات الطاقة الشمسية الحرارية Solar Thermal ذات الطابع البرجي Tower، فقد انخفضت تكاليفها من 168 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2009 إلى 141 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2020 بنسبة 16 في المائة. وعلاوة على ذلك، انخفض سعر الكهرباء من المحطات التي تعمل بالغاز بشكل رئيس نتيجة انخفاض أسعار الغاز العالمي في عام 2008. فقد انخفضت تكاليف المحطات الغازية Gas Turbine من 275 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2009 إلى 175 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2020 بنسبة 36 في المائة، بينما انخفضت تكاليف محطات الغاز المركبة Combined Cycle من 83 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2009 إلى 59 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2020 بنسبة 29 في المائة. وعلى النقيض من ذلك، بقي سعر الكهرباء من الفحم كما هو تقريبا بزيادة 1 في المائة بتكلفة حدية 111 دولارا للميجاوات ساعة، وأصبحت الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية أكثر تكلفة بنسبة 33 في المائة بسبب زيادة اللوائح التشريعية والقانونية ونقص المفاعلات الجديدة، حيث كانت التكلفة 123 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2009 وارتفعت إلى 163 دولارا للميجاوات ساعة في عام 2020. ولكن لا يزال التحدي من مصادر الطاقة المتجددة قائما في وجود صراع بالنسبة إلى معظم شبكات الطاقة المتقدمة في استبدال الوقود الأحفوري الحالي، مثل الغاز الطبيعي والديزل والفحم وغير ذلك، بالأحمال الأساسية Baseloads - وهي الأحمال التي تتطلب توليدا مستمرا بشكل يومي - مع طاقة نظيفة متجددة مكافئة مثل الطاقة الشمسية والرياح، خصوصا مع ارتفاع أسعار وتكاليف تخزين الطاقة. والتحدي الآخر هو، عدم موثوقية الإنتاج للطاقة المتجددة، الذي يعد متقطعا على مدار اليوم. فالطاقة الشمسية بكل أشكالها تعتمد على الإشعاع الشمسي عموما وتنعدم ليلا، وأما طاقة الرياح فليست بأفضل حظ من أختها في الاعتماد على سرعة الرياح. وكلاهما، الإشعاع الشمسي وسرعة الرياح، عاملان متغيران مع الوقت وليسا ثابتي القيمة والإنتاج على غرار الطاقة الأحفورية التقليدية. لقد شهدت ألمانيا، وهي دولة رائدة من حيث مصادر الطاقة المتجددة، انخفاضا في إنتاجها 25 في المائة في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بالربع الأول من عام 2020. واستبدلت كل هذه الطاقة المفقودة بمحطات الفحم والغاز، ما جعل كثافة ثاني أكسيد الكربون ترتفع بشكل كبير وتنتج أضرارا بيئية عنيفة. وسنرى النتيجة النهائية في نهاية عام 2021، لكن لا تبدو جيدة في الوقت الحالي. وأعلنت ألمانيا رسميا خلال الأيام الماضية أنها أخطأت في تقدير احتياجاتها من الكهرباء لعام 2030 إلى 2050، التي ستكون أيضا أعلى بكثير مما كان يعتقد في الأصل، حيث أظهرت الدراسات حاجة ألمانيا إلى ما بين 70 إلى 200 تيراوات ساعة بحلول عام 2030، ما أدى إلى التفكير الجدي في الاستعانة بالطاقة النووية منخفضة الكربون في العامين المقبلين، بمعدل 40 تيراوات ساعة أخرى للتعويض عن مصادر الطاقة المتجددة.
بالنظر إلى معدل انخفاض التكاليف والأسعار بين عامي 2009 إلى 2020، فإن الأمر مسألة وقت قبل أن تصبح مصادر الطاقة المتجددة مجدية اقتصاديا ومصدرا أساسيا للكهرباء. لقد التزم عديد من البلدان بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050 بناء على الاتفاقيات العالمية، مثل اتفاقية باريس، ومن المتوقع أن تمثل الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 أكثر من نصف توليد الكهرباء في العالم، نظرا إلى قدرة محطات الطاقة المتجددة على تحقيق هذا الهدف الكربوني الصفري والقوة الاقتصادية التنافسية. ولكن مع التحديات الفنية القائمة، تمثل الطاقة المتجددة عملية مجدية فعليا في الأحمال غير الأساسية، مثل الحمل الذروي، ما لم يحصل اكتشاف علمي جديد، مثل انخفاض تكاليف تخزين الطاقة أو الإسهاب الشديد في الربط الكهربائي مع دول الجوار بما يعوض أي نقص محتمل من محطات الطاقة المتجددة.
إنشرها