خطر التضخم الحقيقي وتحدياته «2 من 2»

لا شك أن المشكلات الاقتصادية ليست وحدها المسؤولة عن الحالة التي بلغتها السياسة الأمريكية. كما لعب الحزب الجمهوري دورا كبيرا في هذا الاختلال الوظيفي. بدءا من "الاستراتيجية الجنوبية" التي ابتكرها ريتشارد نيكسون - وسعت إلى الاستفادة من ردة الفعل العنيفة من جانب أصحاب البشرة البيضاء ضد أجندة الحقوق المدنية التي أقرها الديمقراطيون في ستينيات القرن الـ 20 - قرر الحزب الجمهوري أن الاستقطاب سياسة مفيدة. وكلما تحول الحزب نحو تمثيل الناخبين من ذوي البشرة البيضاء غير الحاصلين على تعليم جامعي "الذين يمثلون نسبة متضائلة من السكان الآن"، ازداد اضطراره للاعتماد على قمع الناخبين، وغير ذلك من التكتيكات المناهضة للديمقراطية للمحافظة على موقفه، وهو الاتجاه الذي بلغ ذروته مع ترمب.
لكن الحزب الديمقراطي ليس معفيا من اللوم. فلم يكن جورج دبليو بوش فقط هو الذي أنقذ المصرفيين في "وول ستريت"، الذين تسببوا في إحداث الأزمة المالية في عام 2008، بل سار على خطاه في ذلك باراك أوباما. وكانت إدارة أوباما هي التي قررت في نهاية المطاف مساعدة البنوك والمصرفيين بأي ثمن، واختارت في وقت لاحق عدم مقاضاة أي من الأطراف المذنبة.
وتأكدت شكوك الناخبين حول علاقة حميمة للغاية بين الحكومة ومؤسسات التمويل، ما أدى إلى التعجيل بفقدان الثقة بالمؤسسات وتزويد أولئك الذين يميلون بالفعل إلى اعتبار الحكومة المشكلة وليست الحل بقدر وافر من الذخيرة.
إذا كان هذا التشخيص صحيحا، فيجب أن تكون الخطوة الأولى لعلاج الاختلال الوظيفي السياسي في أمريكا إظهار أن الاقتصاد والحكومة يمكنهما العمل معا لمصلحة الجميع. يجب أن يكون توليد الوظائف وزيادة أجور الأمريكيين من كل الخلفيات والمهارات أولوية قصوى.
وبينما يمكننا التركيز - ببساطة - على توسيع حجم الكعكة الاقتصادية الإجمالية ثم إعادة توزيعها، فإن هذه الاستراتيجية من غير المرجح أن تجعل الناخبين يشعرون بالاهتمام بالنظام. إن تمكين الناس من الإسهام بشكل هادف في الاقتصاد والمجتمع طريقة أفضل كثيرا لإشراكهم في الأمر.
إذا نظر الناس إلى أمور مثل الإنفاق على البنية الأساسية، والسياسات المالية والنقدية التوسعية، وتعزيزات شبكة الأمان، والاستثمارات القادرة على توليد الوظائف، وغير ذلك من التدابير الرسمية، على أنها جزء من التعافي القوي، فإن هذا من شأنه أن يدعم بشكل أكبر فكرة أن الحكومة لا تزال قادرة على العمل. إن استعادة الثقة بمؤسسات الدولة من غير الممكن أن تتحقق - ببساطة - من خلال تمجيد فضائلها بشكل مجرد. يجب أن يرى المواطنون ويختبروا الفوائد التي تتأتى من عمل المؤسسات بشكل فـاعل.
ترى، هل يمكن إنقاذ الفيدرالية الأمريكية من خلال التعافي الاقتصادي الجيد التصميم؟ لا شيء قد يضمن هذا. لقد أهمل الاقتصاد الأمريكي العمال من غير الحاصلين على شهادات جامعية "وعلى نحو متزايد العمال الحاصلون على شهادات جامعية أيضا"، وعمل على تلبية احتياجات الشركات الكبرى فترة طويلة للغاية، حتى إنه ربما يكون الأوان فات لتغيير المسار. ومع حرص "أمريكا الشركات" على توجيه الاستثمار إلى التكنولوجيات لأتمتة الوظائف، وإبقاء العمال تحت المراقبة، ودفع الأجور إلى الانخفاض، فقد تدوم محنة العامل الأمريكي العادي وتزداد عمقا.
وربما فات أيضا أوان مقاومة الاستقطاب السام الذي قطع أوصال المجتمع الأمريكي. لقد أظهر معظم أنصار ترمب بالفعل أنهم لن يغيروا فكرهم تحت أي ظرف. ومع ذلك، فإن إعادة تشغيل الاقتصاد تقدم أفضل فرصة لإنقاذ الفيدرالية الأمريكية. وخطر ارتفاع معدلات التضخم بعض الشيء ليس سببا لإهدار هذه الفرصة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي