Author

هل نحتاج إلى هيئة تنظيم التعدين؟

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تعد صناعة التعدين Mining Industry من الصناعات الواعدة ذات الأولوية والمستهدفة في رؤية المملكة 2030. وذكرنا في مقال سابق حجم الموارد المعدنية في المملكة بما يؤهلها للمنافسة عالميا، مثل الذهب والفضة والفوسفات والبوكسيت والزنك والرصاص والنحاس والسيليكا والنيكل والألمنيوم، إضافة إلى معادن نفيسة أخرى. وتحمل وزارة الصناعة والثروة المعدنية على عاتقها في الوقت الراهن دور المشرع والمنظم لعموم الصناعة. ويأتي التساؤل عن مدى أهمية إنشاء الهيئة السعودية لتنظيم التعدين Saudi Mining Regulatory Authority وفصل التنظيم عن التشريع أسوة بصناعات متعددة في المملكة، مثل الكهرباء والطيران المدني والاتصالات والنقل والموانئ والدواء والغذاء وغيرها.
لقد فصل بعض الدول وظيفة الترخيص والمراقبة عن الوظائف التشريعية وهناك نماذج دولية مختلفة، وعند فصل وظائف الترخيص والمراقبة عن الوظائف الأخرى لمنظم التعدين، نرى هيئة ذات استقلال اعتباري ورئيسا تنفيذيا يقدم تقاريره إلى مجلس الإدارة. في الولايات المتحدة، توجد أنظمة وتنظيم لصناعة التعدين والثروة المعدنية على المستوى الفيدرالي والولاية، وتأخذ الحكومة الأمريكية صناعة التعدين على محمل الجد من ناحية توزيع المسؤوليات والمهام بما يضمن نمو الصناعة ووجود لاعبين جدد، وكذلك الحال في كندا وغانا وجنوب إفريقيا وغيرها.
ولهذه الدول دوافع مختلفة للرغبة نحو المضي قدما نحو إنشاء هيئة تنظيم مستقلة لصناعة التعدين، على سبيل المثال: الاستقلال عن التأثير السياسي في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتراخيص، والحد من تضارب المصالح حيث يفصل صانع السياسات عن منفذها، ودمج اهتمامات وآراء أرباب الصناعة في العملية التنظيمية، حيث يمثلون في مجلس الإدارة.
والمشاهد أن عديدا من الدول ينظر إلى قطاع التعدين باعتباره المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية وتوجد أدلة كثيرة على أن الدول التي تتبنى تشريعات تعدين حديثة وتوفر بيئة مواتية يمكنها جذب استثمارات القطاع الخاص في استكشاف التعدين وتطوير كامل الصناعة، وهذا بدوره يسهم في زيادة الإيرادات وعائدات الصادرات وفرص العمل ونقل التقنية وتطوير البنية التحتية. لكن تواجه الدول التي تتبنى صناعة التعدين تحديات في وضع خطوات عملية لضمان المسؤولية تجاه تنمية الموارد المعدنية، ومنها المسؤولية البيئية والسلامة والأمن وتقليل نسب الحوادث وغيرها، لذلك يأتي دور المنظم في ضبط المعايير الاجتماعية والبيئية والالتزام بالشفافية والرقابة الصارمة.
إن أهم المسؤوليات والمهام لهيئة تنظيم صناعة التعدين هي - على سبيل المثال لا الحصر - التعاون مع المشرع في تأسيس السياسة الوطنية للتعدين وسبل الاستثمار بها والرفع بأي ملاحظات قانونية أو تشريعية، ترخيص وتأهيل الشركات ذات العلاقة في صناعة التعدين ومراقبة عمليات جميع المرخص لهم عن المعادن، تأمين قاعدة صلبة لجمع البيانات الشاملة عن الموارد المعدنية الوطنية وتقنيات الاستكشاف، متابعة تنفيذ السياسات الحكومية الموضوعة بشأن المعادن، تقديم المشورة إلى وزارة الصناعة والثروة المعدنية في الأمور المتعلقة بالمعادن والتعدين والصناعات المتجانسة معها، تقييم الاتفاقيات العامة المتعلقة بالمعادن وتقديم تقرير مفصل إلى المشرع، مراجعة ومراقبة أداء الصناعة عموما، وأخيرا القيام بأي مهام أخرى قد يكلف بها رئيس مجلس الإدارة الذي عادة ما يكون وزير الصناعة والثروة المعدنية.
في الختام، نوصي بضرورة إنشاء هيئة مستقلة في المملكة تعنى بتنظيم صناعة التعدين والموارد المعدنية، ما سيجعل لهذا الإصلاح التشريعي دورا جوهريا في نمو وتطور صناعة التعدين في المملكة، بمشيئة الله. بينما تقوم وزارة الصناعة والثروة المعدنية بسن أنظمة وقوانين لصناعة التعدين، تقوم الهيئة السعودية لتنظيم التعدين بدور الرقابة والإشراف والتأكد من انضباط ذوي العلاقة من الشركات والمرخص لهم من خلال سن لوائح تنظيمية ورخص ومعايير أداء بما يخدم المصلحة العامة والصناعة على حد سواء.
إنشرها