Author

قيود استثنائية على خيارات الزعيم الماليزي

|

واجه محيي الدين ياسين رئيس الحكومة الماليزية الحالي منافسة شرسة من أجل الاستمرار في السلطة كما واجه ظروفا استثنائية كونه لا يملك سوى أغلبية برلمانية. كما ساعدت ظروف أخرى على صنع أجواء ومناخ مساعدة لدعم وضعه ومستقبله السياسي.
لقد تمكن ياسين رئيس الحكومة الماليزية بذكاء وبراعة من استغلال الأحوال السياسية المحيطة بالبلاد من خلال إقناع ملك البلاد السلطان عبدالله ابن السلطان أحمد شاه بإعلان حالة الطوارئ في ماليزيا، فاستخدم الأخير صلاحياته الدستورية واستجاب لمقترحات رئيس حكومته، علما أن العاهل الماليزي، يمنحه الدستور حق إعلان الطوارئ في حالات وجود تهديد أمني خارجي أو أزمة اقتصادية أو إخلال بالنظام العام.
وهكذا حال قانون الطوارئ دون انعقاد جلسات البرلمان التي لو كانت قد عقدت لجرى حجب الثقة عن الحكومة، خصوصا في ظل عدم تمتعها بأغلبية قوية، وكثرة المنافسين لها والمتآمرين عليها، فضلا عن المزايدات والخلافات والانشقاقات والمساومات بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان منذ أن أنهى مهاتير محمد رئيس الوزراء السابق تقاعده الاختياري عن العمل السياسي وعاد إلى السلطة في أيار (مايو) عام 2018 قبل أن يستقيل في شباط (فبراير) عام 2020 طمعا بتكليف جديد يبقيه في الحكم ويقطع الطريق على حليفه "منافسه السابق" أنور إبراهيم، لخلافته كما كان متفقا عليه بينهما، وهو ما تنبه له العاهل الماليزي، فضرب أطماع العجوز مهاتير في مقتل بتكليف ياسين بديلا عنه في آذار (مارس) 2020. وقتها أصدر الملك بيانا قال فيه: "لا يمكن السماح باستمرار تفاقم المشاحنات السياسية في البلاد دون نهاية، لذلك وتمشيا مع أحكام الدستور الاتحادي وجدت أن محيي الدين ياسين يحظى بدعم الأغلبية من أعضاء مجلس النواب ومؤهل لتعيينه ليكون ثامن رئيس للوزراء". وقد عد البعض قرار الملك أول تدخل من عاهل ماليزي، منذ استقلال البلاد عام 1957، في الشأن السياسي، وذلك لأنه جرت العادة في ماليزيا أن يسمي الملك رئيس الوزراء بناء على مشاوراته المسبقة مع الكتل البرلمانية، كما في الديمقراطيات العريقة.
في منتصف حزيران (يونيو) الماضي دعا العاهل الماليزي إلى ضرورة عودة البرلمان الاتحادي والمجالس التشريعية المحلية إلى الالتئام بأسرع وقت لمناقشة حالة الطوارئ وخطط الحكومة لمواجهة انتشار وباء كورونا، وطالب في الوقت نفسه بتجاوز الإشكالات البيروقراطية والخلافات السياسية وتسريع حملة التطعيم لجميع سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 32 مليون نسمة "بحسب إحصائيات 2019".
وكان الملك عبد الله ابن السلطان أحمد شاه قد رأس اجتماعا لسلاطين الولايات الماليزية لاستطلاع آرائهم حول الوضع في البلاد، ويبدو أنه سمع من بعضهم ملاحظات حول أداء الحكومة لجهة تعاملها مع الجائحة وتداعياتها، وكيف أن قرارها بالإغلاق العام الصارم منذ الأول من يونيو الماضي أثر سلبا في المصالح الاقتصادية والمعيشية للسكان، فضلا عن سنها كثيرا من القوانين وإقرارها إنفاقات مالية كبيرة دون رقابة برلمانية. وكان الملك قد التقى أيضا في وقت سابق زعماء الأحزاب السياسية للغرض نفسه، ومما تسرب عن هذا اللقاء أن السياسي المعارض المعروف أنور إبراهيم كان أكثر من أعرب عن اعتقاده أن حالة الطوارئ أضرت أكثر مما نفعت، وكان من أشد الذين تمنوا على الملك ألا يمدد حالة الطوارئ. وهذا الموقف لم يكن مستغربا ألبتة من إبراهيم المعروف عنه طموحاته لتولي قيادة البلاد بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى منها مرتين، وفي كلتيهما خدع من قبل رفيق عمره مهاتير محمد.
والحقيقة رغم قرار الإغلاق الصارم، فإن ماليزيا سجلت أكبر عدد من الإصابات نسبة إلى عدد السكان في منطقة جنوب شرق آسيا "نحو 600 ألف إصابة" مع عدد وفيات بلغ 3100 "ثالث أكبر رقم في المنطقة بعد إندونيسيا والفلبين". ولهذا استبق ياسين اجتماع الملك بسلاطين الولايات بإطلاق خطة وطنية للتعافي ووضع شروطا واجبة التنفيذ قبل أي تفكير بإلغاء قرار الإغلاق مع وعد منه بدعوة البرلمان للانعقاد في أيلول (سبتمبر) المقبل في حال انخفاض المعدل اليومي للإصابات إلى ألفي إصابة من معدله الحالي، البالغ خمسة آلاف إصابة. وقال محيي في خطاب متلفز، إن خطة حكومته تتضمن الوصول إلى الرقم 500 كمعدل إصابات يومي بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل كي يتم السماح بالسفر داخل البلاد وإقامة الأنشطة الاجتماعية المختلفة.
ويظل السؤال القائم في ماليزيا هو عما إذا كان ياسين على تنفيذ وعده بانعقاد البرلمان في أيلول (سبتمبر) أو يستمر في تعطيل انعقاد البرلمان. أما السؤال الآخر فهو، عن كيفية سير الأمور في البرلمان في حال انعقاده، وعمن سيكون صاحب الحظ الأوفر لقيادة البلاد؟ وعما إذا كان كارهو الأخير ومنافسوه سيستلون سيوفهم لإلحاقه برئيس الوزراء الأسبق نجيب رزاق.

إنشرها