Author

توقعات المتفوق مهنيا

|
في وقت سابق كان الحصول على وظيفة أسهل مما هو عليه اليوم، لكن كان معظم الوظائف متواضعة المتطلبات والتوقعات ببعض الاستثناءات القليلة. اليوم ازدادت المنافسة، وتغيرت ديناميكية العرض والطلب بشكل جذري. لم يجد أصحاب القدرات والإمكانات في ذلك الوقت البيئات المثلى التي تطلق إمكاناتهم وتسمح بنموهم ونمو منظماتهم معهم. اليوم تغير المشهد كثيرا وباتت الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية تتنافس على المهارات والمواهب بشكل غير مسبوق. وبالتزامن مع هذه المتغيرات ارتفع سقف التوقعات من الطرفين، الموظف المتفوق مهنيا وجهة العمل التي تبحث عن المميزين. قد تختلف وجهات النظر أو حتى مستويات التوقعات من الطرفين، حسب الشخص وتطلعاته وحسب المنظمة ورسالتها، لكن كثير من عناصر النجاح تتمركز حول نقطة الالتقاء، إذا صممت بعناية ومورست بتناغم.
قبل الحديث عن توقعات المتفوق مهنيا، يجب أن نحدد سمات هذا المتفوق الذي تتطلع الجهات إلى الظفر به، الصورة المثالية لهذه الكفاءة تقوم على عدة سمات قلما تجتمع - وقد لا يكون من الضروري أن تجتمع - في من نطلق عليه شخصا متفوقا مهنيا. يمكن تلخيص هذه السمات في التأهيل المعرفي والمهني القوي وتعدد المهارات المختصة وغير المختصة، إضافة إلى السمات الشخصية الملائمة والعناصر المعنوية الأخرى مثل الشغف والحيوية والقدرة على التكيف وما إلى ذلك. مثل هذا الشخص يبحث عن بيئة مليئة بالتحديات، ولا يتحمل الروتين والتكرار، يفضل البيئة الإبداعية، وقد يتحمل البيئة المنضبطة إذا كانت أدواره ترتقي بارتقاء إمكاناته. يميز هذا المتفوق البيئة الإيجابية الجاذبة للتفاعل من السلبية الجاذبة للركود ويقيم ذلك باستمرار. مثل هؤلاء يملكون في العادة وعيا مهنيا أفضل من غيرهم، لذا لديهم القدرة على تحمل السياقات المختلفة والظروف الصعبة ويتعلمون منها وينتظرون ذلك، لكنهم ليسوا مطواعين خاضعين. وبسبب قدرتهم على التكيف وتأهيلهم الجيد، تكون قدرتهم على التعلم الذاتي والتطور السريع باهرة، فهم سرعان ما ينتقلون من مستوى إلى آخر في إمكاناتهم بسبب التجارب والخبرات المستغلة، لذا تنمو لديهم وفي وقت قصير نسبيا مهارات جديدة أكثر تقدما مثل القيادة والتنسيق وحل المعضلات ومعالجة التضاربات. لكن، ليس جميعهم بالضرورة هكذا، فبعض المتفوقين مهنيا يكونون انطوائيين مستقلين introverts يبحثون عن فرصة الإبداع الحر في بيئة هادئة محدودة التفاعلات.
في الجانب الآخر، رفعت الجهات التوظيفية محليا سقف التوقعات بشكل كبير، وهذا واضح في تنافسها على هؤلاء المتفوقين. تعرف هذه الجهات بأن تنفيذ أعمالها بالإتقان المطلوب قائم على وجود قدرات بشرية ملائمة، وهذا تحد كبير على هذه الجهات يترجم كذلك كتحد على المستقطبين أنفسهم. ومن ذلك أن على الجهات المستقطبة تهيئة البيئة المناسبة لاحتواء هؤلاء المتفوقين وإظهار قدراتهم الكامنة، وهذا يبدأ من ثقافة المنشأة وأسلوب العمل وينتهي بعناصر الاستبقاء والتحفيز. الجهة التي ترفع من سقف توقعاتها ثم لا تقدر على استيعاب مثل هذه الإمكانات لن تحافظ عليها ولن تستفيد منها. وفي ظل تأثير العرض والطلب على المهارات، تتحول هذه المسألة إلى خطر كبير على المنشآت، وينتقل هذا الخطر إلى المتفوقين أنفسهم. لأن المتفوق يتأثر بالعرض والطلب والمنافسة على إمكاناته وهذا يزيد احتمالات انتقاله إلى مكان آخر قد لا يجد فيه ضالته وقد يكون مطبا كبيرا في مسيرته العملية. ما يعني أن الاختلاف الحديث في ظروف إدارة التوقعات يصنع فرصا أفضل للجميع لزيادة العطاء والقيمة، لكن التباينات المحتملة تصنع مخاطر جديدة مرافقة لهذه الفرص.
حتى يتمكن المتفوق مهنيا من إدارة توقعاته، ينبغي أولا أن يقيم نفسه بشكل جيد وصريح، ويعرف كيف يقدر قيمة ما يستطيع تقديمه، ويفهم في الوقت نفسه ظروف السوق وما يتاح له من خيارات تقدر هذه القيمة. هذه المقاربة ضرورية في إدارة المسار المهني وترفع فرص نجاح المتفوق مهنيا في الالتقاء مع عمله لتحقيق العطاء المطلوب. يتوقع من الجهات أن تدير ما عليها من واجبات لاستيعاب واستحقاق هذا النوع من المواهب والإمكانات، وهذا لا يحصل فقط بتوفير الظروف الملائمة، بل بفتح قناة التواصل المرتبطة بإدارة التوقعات، وتقليل فوارق الفهم حول الفرص والمخاطر الموجودة، خصوصا ما يرتبط بإدارة المسار المهني وفرصة تنميته داخل مكان العمل. فكما أن جهات العمل تبحث عن الأفضل وتحاول الظفر به، فالأفضل كذلك يبحث عما يليق به، وسينتقل إليه بمجرد أن تحين الفرصة.
إنشرها