صدمة كوفيد - 19 والمخاطر الكارثية «2 من 2»

إن الخطر الرئيس الرابع هو الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يقودنا لتقنيات لا نستطيع التحكم بها وإضافة إلى خطر أن تمحو الخوارزميات فائقة الذكاء البشرية، فإن من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للمراقبة والقمع، ما يمهد الطريق لنوع جديد من الأسلوب الإنساني، كما أن الحكومات تقوم بالفعل بتطوير الذكاء الاصطناعي والأسلحة التي يتم تشغيلها ذاتيا، التي يمكن أن يكون لها استخدامات إجرامية كثيرة، خاصة إذا انتهى بها المطاف في الأيدي الخطأ.
رغم أن لا أحد يمكنه إنكار تلك المخاطر، فإن الإنسان عادة ما يستبعد وبقوة أي احتمالية لوقوع سيناريو كارثي، لكن هذا الطرح ينطوي على التضليل فخلال القرن الـ 20 كان العالم قريبا من حرب نووية في عدة مناسبات، ونظرا لأننا كنا محظوظين فنحن نفترض الآن بأثر رجعي أن الخطر لم يكن أبدا كما يبدو.
لكن انظروا إلى السيناريو المضاد، فمثلا كيف سيكون وضعنا اليوم لو لم يتم تجنب حرب نووية شاملة، بسبب ما فعله فاسيلي أليكساندروفيتش أرخيبوف وهو الرجل الثاني في قيادة الغواصة والوحيد الذي في ذروة أزمة الصواريخ الكوبية كان يحث على ضبط النفس، عندما كان القادة الآخرون على متن الغواصة النووية السوفياتية ب - 50 يعتقدون مخطئين أنهم كانوا يتعرضون لهجوم من الولايات المتحدة؟ إن من المؤكد أنه لما كنا لنستطيع قراءة كتب عن الانخفاض المفترض للعنف مع مرور الزمن.
من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين يقرون بالمخاطر التي يشكلها التغير المناخي والذكاء الاصطناعي عادة ما يقفزون لاستنتاج مفاده أن النمو الاقتصادي نفسه هو المشكلة فهم، يجادلون بأن تخفيض الانبعاثات والمحافظة على الطبيعة ومنع إساءة استخدام التكنولوجيا يتطلب إبطاء أو وقف الإنتاج والاستثمار والابتكار.
لكن التراجع عن النمو والتقدم التكنولوجي هو أمر غير واقعي وغير مستحسن، فالعالم لا يزال بعيدا عن إنهاء الفقر. إن ما يحتاج إليه الناس بشدة حاليا في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء هو الوظائف الجيدة التي تستفيد من التكنولوجيا لما فيه مصلحة العمال أنفسهم، علما بأنه دون تأمين التوظيف ونمو الدخل، لن يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وبوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني آخر الديماجوجيين اليمينيين الذين يهددون الديمقراطيات الراسخة.
إن الخيار المسؤول الوحيد هو تشكيل استراتيجية نمو جديدة تؤكد نوعية الابتكار التكنولوجي اللازمة للتعامل مع التهديدات العالمية. يجب أن يكون الهدف هو إنشاء بيئة تنظيمية تشجع الشركات ورواد الأعمال على تطوير التقنيات التي نحتاج إليها بالفعل بدلا من تلك التي هي مجرد أدوات لزيادة الأرباح وحصة السوق لقلة محدودة من الناس، وبالطبع نحتاج إلى تركيز أكبر بكثير على الازدهار المشترك، وذلك حتى لا نكرر أخطاء العقود الأربعة الماضية عندما أصبح النمو مفصولا عن التجربة الحياتية لمعظم الناس، على الأقل في العالم الأنجلو - ساكسوني.
رغم سجلنا السيئ في التصدي للتغير المناخي، إلا أنه يمكننا التمسك بحقيقة أن أشكال الطاقة المتجددة التي كانت مكلفة في السابق أصبحت الآن أكثر تنافسية مع الوقود الأحفوري، وهذا لم يحدث لأننا أدرنا ظهرنا للتكنولوجيا، بل هو نتيجة للتقدم التكنولوجي بسبب اقتصاد السوق المنظم حيث استجابت الشركات، خاصة في أوروبا لتسعير الكربون والدعم المالي والطلب الاستهلاكي.
إن الوصفة نفسها يمكنها أن تنجح ضد مخاطر كارثية أخرى. إن الخطوة الأولى هي الإقرار بأن تلك المخاطر حقيقية وحينها فقط نستطيع أن نمضي قدما في بناء مؤسسات أفضل وإعادة تمكين الدولة لتشكيل نتائج السوق مع الأخذ في الحسبان المصالح المشتركة للبشرية.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي