Author

التعلم الذاتي في مقر العمل

|
هناك كثير من النصائح المرتبطة بالتعلم الذاتي في مقر العمل، يدور معظمها حول وضع الأهداف الشخصية المهنية وتحديد مصادر التعلم والاستفادة من التجارب وتصميم المحفزات الذاتية الملائمة واستخدامها بشكل فعال. وقد تجد هذه النصائح أحيانا بشكل مبتذل، مثل: "تعلم في كل ثانية" أو مكرر، مثل: "لا تسوف ولا تتردد" أو متوقع، مثل: "خذ بريك كل 50 دقيقة"، وغير ذلك من النصائح التقليدية. لو نظرنا إلى أساليب التعلم التي تبنى بها الخبرة النوعية في مقر العمل لن نجدها تخرج عن الملاحظة والاستماع والممارسة والتفكير وكل ما يرتبط بالتعلم التجريبي experiential learning الذي يحصل في مقر العمل بشكل طبيعي. لكن، نحن نفقد جزءا كبيرا من قيمة التعلم الذاتي في مقر العمل عندما تضعف ممارستنا للقراءة، خصوصا القراءة المتخصصة.
أتساءل أحيانا ما حجم الفرص التي تخسرها العقول الرائعة والطاقات المندفعة عندما تقضي تجربتها في التعلم الذاتي أثناء العمل دون أن تدعمها بالقراءة. نشاهد أحيانا إنجازات ممتازة لموظفين لا يقرأون، قد يكون تقديرنا لهذه الإنجازات وتميزها مبنيا أصلا على ضعفنا في القراءة وتوسيع دائرة معرفتنا المرتبطة بهذه الإنجازات. التعلم الذاتي ليس مسألة ذاتية على الإطلاق، بل هو مهارة مهمة تبنى عليها استثمارات المنظمات والمجتمعات، ولن يكون التعليم والتدريب التقليدي في أماكن العمل بديلا عن التعلم الذاتي على الإطلاق. بل إن المنظمات تخسر كثيرا بمرور تجاربها وقصصها دون شواهد وإدراكات فردية وجماعية تدعم منحنى التعلم داخلها، وهذا تحديدا يحصل عندما تكون رحلة التعلم الذاتي لأفراد المنظمة ناقصة.
تصبح رحلة التعلم الذاتي في مقر العمل ناقصة عندما تبنى الملاحظة حول موقف ما دون معرفة ما يجب أن يستند إليه هذا الموقف أخلاقيا. وتصبح رحلة التعلم الذاتي ناقصة إذا كانت الممارسة تتحسن بناء على معتقدات الموظف وأفكاره دون أي تنسيق أو فهم أو متابعة للممارسات المعتادة بمجاله. وتصبح رحلة التعلم ناقصة إذا كان الموظف ينجح في حل التحدي بعد عشر محاولات مع أن طبيعة التحدي تستحق محاولتين أو ثلاثا، لو حاول إيجاد مصدر مساند للتعلم يعالج به هذا التحدي. وتصبح رحلة التعلم الذاتي ناقصة عندما تنقطع دائرة تسجيل الخلاصات والفوائد للاستفادة منها ومشاركتها. القراءة المتخصصة والمهنية والوصول إلى مصادر المعرفة وآخر الممارسات وأفضلها هي ما يكمل هذه الرحلة الذاتية التجريبية، وهي ما يصنع القيمة الحقيقية في تجاوز التحديات بتعلم مكافئ متجدد، لا يعادله شيء آخر في بناء الخبرة وتدعيمها.
القراءة المرتبطة بالتعلم الذاتي في مقر العمل لا تنحصر في قراءة الكتب. يمكن تقسيم مصادر القراءة إلى عدة مصادر: الكتب المتخصصة ذات اللغة العلمية والأخرى المتخصصة ذات اللغة السهلة "الشعبية"، والمراجع والموسوعات وأدلة المعايير والممارسات، والمقالات العملية المحكمة، والأوراق البيضاء والتقارير المنشورة، والمقالات الأخرى المتنوعة المرتبطة بممارسات العمل، ويمكن أحيانا إضافة المحاضرات الصوتية والمرئية المتخصصة إلى القائمة. بكل تأكيد تشمل هذه القائمة مواد العمل المتاحة، خصوصا التقارير والعروض والمستخلصات التي تمثل المعرفة المكتسبة للمنظمة. يمكن كذلك تصنيف مواد القراءة حسب مجالها، منها ما يكون في صميم تخصص الموظف وأخرى ترتبط أكثر بالعمل الإداري والتنظيمي أو بتخصصات أخرى ملائمة لمجال عمله، مثل تخصص القسم الآخر الذي يتعامل معه كثيرا أو القطاع الذي تعمل به منظمته.
أعتقد أن المهني المتخصص والتنفيذي المتطور يفقدان كثيرا إن لم يخضبا تعلمهما الذاتي بالقراءة، حتى لو حظيا بتجارب ممتازة لا تتكرر. يصل بعض هؤلاء إلى مرحلة الوهم وتكبر المصيبة حين يتراكم في سلم المنظمة عدد من الأشخاص الذين لا يقرأون، يتدنى حينها المعيار ولا يمكن لأحد أن يكتشف حالة التأخر أو الضعف التي تصيب المكان وفريقه. في مثل هذه الحالات تصبح دائرة التعلم أبطأ ويفتقد الجميع الحس النقدي الإيجابي وتختفي المرجعية المحدثة المتجددة، ونتيجة لذلك، تصبح تجارب التعلم الذاتي متدنية القيمة، ضعيفة الأثر.
إنشرها