عقد اجتماعي جديد يلائم القرن الـ 21 «1من 3»
الجميع يشارك في العقد الاجتماعي كل يوم، ونادرا ما نتوقف للتفكير فيه. غير أن العقود الاجتماعية تشكل كل جانب في حياتنا، بما في ذلك طريقة تربية أطفالنا وانخراطنا في التعليم، وما نتوقعه من أرباب عملنا، وكيف نخوض تجربة المرض والشيخوخة. وكل هذه الأنشطة تقتضي منا التعاون مع الآخرين من أجل مصلحة مشتركة، وشروط هذا التعاون تحدد العقد الاجتماعي في مجتمعنا وترسم شكل حياتنا.
وترتكز هذه التفاعلات اليومية على القوانين والأعراف المتبعة. ففي بعض المجتمعات، يعتمد العقد الاجتماعي اعتمادا أكبر على الأسر والمجتمعات المحلية لتبادل الدعم وفي مجتمعات أخرى، تضطلع السوق والدولة بدور أكبر. لكن في كل المجتمعات، ينتظر من الأفراد البالغين المساهمة في تحقيق المصلحة العامة في مقابل ما يتلقونه من رعاية في السن الصغيرة أو الشيخوخة، أو حين يصبحون غير قادرين على رعاية أنفسهم.
وقد نبع اهتمامي بالعقود الاجتماعية من رغبتي في فهم الأسباب الكامنة وراء الغضب الذي تجلى أخيرا في حالة الاستقطاب السياسي، وحروب الثقافات، والصراعات المتعلقة بقضايا عدم المساواة والأصول العرقية، والتوترات بين الأجيال بشأن تغير المناخ. فالسخط مستشر. وهناك أربعة من كل خمسة أشخاص في الصين وأوروبا والهند والولايات المتحدة يشعرون بأن النظام لا يعمل لمصلحتهم، وأولياء الأمور في معظم الاقتصادات المتقدمة يخشون أن يصبح حال أطفالهم أسوأ من حالهم الراهن Edelman 2019. وكانت الجائحة تطورا كاشفا للغاية، لأنها ألحقت الضرر الأكبر بأكثر الفئات ضعفا - وهم كبار السن والمرضى والنساء، ومن يعملون في وظائف غير مستقرة - وأدت إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة.
وينشأ معظم هذا الاستياء عن إخفاق العقود الاجتماعية القائمة في تحقيق توقعات الناس سواء من ناحية الأمن أو الفرص. فالترتيبات القديمة أجهضتها عوامل متنوعة، بما في ذلك العوامل ذات التأثير الكلي الإيجابي في المجتمع. وتشمل هذه العوامل التغير التكنولوجي الذي يحدث ثورة في العمل، ودخول عدد متزايد من النساء المتعلمات إلى سوق العمل، ما يحد من قدرتهن على رعاية الصغار وكبار السن دون مقابل. وبالنظر إلى المستقبل، فإن شيخوخة السكان تعني أننا سنحتاج إلى إيجاد طرق جديدة لدعم كبار السن، كما أن تغير المناخ يجبرنا على بذل جهد أكبر لجعل العالم أكثر استدامة من المنظور البيئي.
بيد أن الخبر السار هو إمكانية التوصل إلى عقد اجتماعي جديد من شأنه تلبية حاجة الناس إلى الأمن والفرص مع التصدي للتحديات التي تؤثر في المجتمع ككل. ويعتمد هذا العقد الاجتماعي الجديد على ثلاث ركائز: الأمن، واقتسام المخاطر، والفرص. فما معنى ذلك في الواقع العملي، وأصبحت أسواق العمل أكثر مرونة، وأصبح العمل غير الرسمي الآن سمة مشتركة للحياة في كل من الاقتصادات النامية والمتقدمة؟. وأصبح كل منا مسؤولا عن نفسه في المجتمع أكثر فأكثر: فالعمال يتحملون المخاطر فيما يتعلق بدخلهم، وكم ساعة يعملون، وكيف يتصرفون إذا أصابهم المرض أو أصبحوا عاطلين عن العمل. لقد مالت كفة الميزان ميلا مفرطا لمصلحة مرونة أرباب العمل على حساب أمن العمال.
يمكن لكل مجتمع أن يضع حدا أدنى للدخل لا يحصل أحد على أقل منه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال برامج التحويلات النقدية في الاقتصادات النامية أو الخصوم الضريبية للعمال ذوي الأجور المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة... يتبع.