يوم البر

هدايا بلا قيمة، ورود تجف، وكيكة لا تؤكل، وفلاشات وصور فقط لنعلم العالم أجمع أننا احتفلنا بيوم الأب أو الأم أو عيد الحب أو يوم الأسرة أو... الكل يعلم إلا المحتفى به في مثل هذه المناسبات، ساعات فقط وينتهي كل شيء ويعودون كل إلى عالمه، سواء الحقيقي أو الافتراضي، وبالفعل أصبح لكل واحد منا عالمان وكل منهما ينقسم لعدة عوالم.
لعل الهدف من كل هذه الأيام العالمية، الاحتفاء الحقيقي وتجديد الولاء، لكن الواقع حولها إلى مجرد رقم في "روزنامة" ننتظر متى يحل لنتخلص من ذلك العبء ولوم من حولنا. أيام دخيلة على ثقافتنا ظننا أنها ستحيي الأمل فينا، ولكنها تحولت مع الوقت إلى تكاليف مادية خالية من الشعور والمشاعر، واحدة من مظاهر عدة نتمظهر بها لا تشبهنا ولا تحقق المرجو منها إلا في حال فعلت بالطريقة الصحيحة.
كل تلك الأيام تحاول أن تحيي فينا مشاعرنا الإنسانية وتذكرنا بمسؤوليتنا الاجتماعية والدينية تجاه أسرنا وقضايانا الاجتماعية، ولكنها تمضي بعد أن تصبح مجرد شعارات وقتيه تنتهي بنهاية المناسبة.
لابد أن نوجد لمثل هذه المناسبات وجها آخر ونشاطات تستمر طوال العام لتعيد لمجتمعنا الحقيقي سماته، وما كان يميزه عن باقي المجتمعات من مبادئ وأخلاق وعطاء غير مشروط ومسؤولية لا متناهية تجاه الآخر.
بدل أن تغزو هواتفنا تلك الدعايات المقززة والمقاطع التي تدق جرس الإنذار لتحذر من كوارث اجتماعية تختبئ خلف هواتفنا، ولكنها في الواقع موجودة بيننا وتبث السم وتغسل عقول المراهقات حينما يشاهدن بعض النماذج المسيئة للآباء، ولصورة الأب ودوره في التوجيه والتربية لا الاستعراض وعرض حياتهم التي لا تمثل واقع مجتمعنا الذي يرفض مثل تلك الصور، تقارن تلك المراهقة بين الأب الحقيقي في منزلها وأب مسخ مزيف، تتمنى بعض المراهقات أن يكون لديها أب مثله يشاركها حياتها، ولا تدري أنها هي من تشاركه عالمه المادي الخالي من كل صفات الأبوة والرجولة معا.
جميلة تلك البرامج التي تحدثنا عن صور البر في مجتمعنا من رجال لهم وزنهم وثقلهم اجتماعيا وسياسيا ودينيا، لا يفارقون أقدام والديهم يتركون مشاغلهم ليعتنوا بهم ويجعلونهم أولوية، ويتعدى برهم بآبائهم وأمهاتهم إلى أصدقائهم وأقربائهم في أبهى صور البر. إنها السعادة الحقيقية التي نبحث عنها في كل مظاهر الحياة من سفر وأكل وشرب واحتفالات فلا نجدها إلا في القرب من الله وإسعاد الآخرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي