Author

مؤشرات الثقة ومسارات الرؤية

|

نجحت السعودية في اتخاذ منحنى مختلف في التخطيط الاستراتيجي الاقتصادي، منذ تولي الأمير محمد بن سلمان، ولاية العهد، فقد أصبحت المؤشرات تلعب دورا مهما في تقييم الأعمال وقياس مدى سلامة المسار الاقتصادي وتحقق الأهداف. ولأن دور المؤشرات يعد ركنا أساسيا في هذا التوجه، فإن الاعتماد على المؤشرات العالمية والمستقلة يعد وسيلة مميزة لقياس الأعمال. ولهذا، فقد أصبح ترتيب السعودية في المؤشرات الدولية المعتبرة دليلا على تحقيق الأهداف وضبط الاتجاهات، وباتت هذه المهمة موكلة للمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية. 
ولا يعني متابعة ترتيب السعودية في المؤشرات الدولية عدم تطوير مؤشرات قياس الأداء المحلية أو تلك التي تتعلق بكل جهة على حدة، حيث إن من أهم تلك المؤشرات المحلية ما يتعلق بكفاءة الإنفاق، ومؤشرات التحول الرقمي، ومؤشرات الالتزامات، إضافة إلى مؤشرات الرضى.    
لقد كانت جائحة كورونا اختبارا صعبا للحكومات في كل أنحاء العالم، وكثير من الدول قدمت دعما يتجاوز 15 في المائة من الناتج المحلي، ومع ذلك فإن الدعم في حد ذاته ليس مقياسا على نجاح الخطط الاقتصادية لتجاوز آثار الأزمة، فقد طور المرصد العالمي لريادة الأعمال عددا من المؤشرات الدولية التي تقيس مدى الاستجابة الفاعلة للجائحة، وتبين أن السعودية حققت المرتبة الأولى عالميا في مؤشري "استجابة رواد الأعمال لجائحة كورونا"، و"استجابة الحكومة في دعم رواد الأعمال"، اللذين يقيسان مدى اختلاف مستويات تحفيز ونشاط ريادة الأعمال على تأثير جائحة كورونا حول العالم.
إن هذه المؤشرات تم قياسها من خلال معطيات ميدانية فعلية، ووجود استجابة لرواد الأعمال للجائحة يعني - ببساطة - قدرتهم على التكيف مع الأوضاع واستمرار أعمالهم، ولن يتحقق هذا في ظل الإغلاق الكامل ما لم يكن للمرونة التي اتبعتها الحكومة السعودية، وتمثلت في تأجيل وإلغاء عدد كبير من المصروفات والرسوم، دور في ذلك، كما تم دعم الرواتب، الذي انعكس على المؤشر الأخير، وهو استجابة الحكومة في دعم رواد الأعمال. فالمؤشر الأول يعتمد بشكل أساسي على نجاح المؤشر الثاني، والتفاعل المثالي بين المؤشرين يدل على دقة الإجراءات ووصول الدعم إلى مستحقيه. ولعل انتشار التطبيقات الإلكترونية، ونجاح تجربة العمل عن بعد، مكنا عديدا من المنشآت ذات العلاقة برواد الأعمال من تيسير أعمالهم، وبالتالي دعم قدرتهم على التكيف. 
حقيقة، لم تكن الجائحة لتختبر قدرة الحكومة على توفير دعم كاف لرواد الأعمال وحماية الوظائف، بل امتد الموضوع نحو قدرتها على المحافظة على الأمن الغذائي. ولعل من المعلوم أن الجائحة تسببت في حالة ذعر شديد بين سكان الكرة الأرضية، خاصة سكان المدن المكتظة، من حيث فشل الحكومات في توفير الغذاء، مع اتباع سياسات الإغلاق ومنع التجول. ولهذا، فإن مؤشر "المعايير الغذائية"، يجسد اهتماما بالغ الأهمية، وهو المؤشر الذي يحدد مستوى سلامة الغذاء وأسباب انعدام الأمن الغذائي، وهو مركب من أربعة مؤشرات هي "القدرة على تحمل التكاليف، والوفرة، والجودة والسلامة، والموارد الطبيعية والتكيف مع التغير المناخي".
 ولا شك أن نظرة بسيطة إلى مكونات هذا المؤشر، وفي دولة تعاني شحا في المياه الجوفية العذبة، فليس من المتوقع حدوث قفزة كبيرة في هذا الجانب، لكن النتائج كانت مذهلة، فقد حققت السعودية المرتبة الأولى عالميا عام 2020، حيث وفرت وفقا لبيانات المؤشر، تنوعا كبيرا للجودة في الغذاء. وفي مؤشر سلامة الغذاء خلال عام 2020، تفوقت على عدد كبير جدا من دول العالم المتقدمة ولها تاريخ طويل في هذا الجانب، فقفزت إلى المرتبة الثامنة من بين 113 دولة في مؤشر "مدى كفاية إمدادات الغذاء الوطنية"، وتفوقت على 105 دول في نمو إنتاج الحبوب والخضراوات، وكانت من ضمن أفضل 20 دولة عالمية، وعن سلامة المحاصيل بعد الحصاد وما قبل الاستهلاك.
وتتواصل أعمال التحول الوطني في المضي قدما في تحقيق أهداف رؤية الوطن المزدهر، ما انعكس على المؤشرات الدولية، لتتقدم السعودية أيضا في مؤشر القوة الناعمة، الذي يقيس السمعة والألفة والتأثير، كمعايير رئيسة، وحصلت على المرتبة الـ20 دوليا في تقرير شركة براند فاينينس. 
وفي السياق نفسه، أعلن الاتحاد الدولي للاتصالات تصنيف المملكة في أعلى مستويات "مؤشر النضج التنظيمي الرقمي" لمنظمي الاتصالات حول العالم عند "المستوى الخامس"، وهذا المؤشر يمر عبر 50 معيارا لتصنيف منظمي قطاع الاتصالات حول العالم ثم تقسيمها إلى عدة مستويات، أعلاها "المستوى الخامس"، الذي أصبحت السعودية ضمن فريقه، ويضم الدول ذات التنظيم التعاوني بين المنظمين من قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات والقطاعات الأخرى لدفع عجلة التحول الرقمي، فيما يصنف الاتحاد المستوى الأول كحد أدنى لمنظمي القطاع في الدول ذات أسواق الاتصالات المحتكرة. وهنا المؤشر يعكس الوضع التنظيمي وتأثيره في تحسن الخدمات ومضاعفة أعداد الشركات المرخصة ونموا في سرعة الإنترنت، وقد حققت السعودية نموا تجاوز 1548 في المائة خلال الأعوام الأربعة الماضية. 
إن هذا التقدم القوى والسريع، كان يهدف إلى دعم خطط التحول الرقمي للحكومة الإلكترونية، التي توسعت وخطت خطوات سريعة وكبيرة في كثير من الجهات الحكومية ذات المستوى الخدمي، وهي المشاريع التي انطلقت في جميع الجهات بأشكالها كافة، ولو كانت البداية متأخرة نوعا ما لكانت وطأة الجائحة أكبر بكثير مما حدث، لكن نجاح السعودية وخططها الاستشرافية والاستباقية، منحها أولوية على الأحداث الساخنة، ما مكنها من تبوؤ مقعد مميز بين دول العالم، وكأن الجائحة جاءت لتخبرنا بأننا على المسار الصحيح، وتكشف للعالم مدى جدارة برامج الرؤية واستحقاقها للثقة العالمية.

إنشرها