Author

الإنسان والشعر والحيوان «1»

|
يرتبط الإنسان بعلاقة وفاء وصداقة مع كثير من الحيوانات منذ الأزل، ومن الملاحظ أن هذه العلاقة قد ترقى لمستوى عال من الثقة المتبادلة والمحبة والألفة. وقد وصف الإنسان في شعره كثيرا من الحيوانات سواء من حيث جمالها أو قوتها وشدة تحملها أو ذكائها ومكرها وغير ذلك، ويشترك في ذلك الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي. وبالطبع فإن الشعر سينصب على ما يتميز به الحيوان من خصائص، فالإبل مثلا تمتاز بالصبر وشدة التحمل، والغزال بالجمال والرشاقة، والثعلب بالمكر والدهاء وهكذا. وسنعرض لشذرات من هذه العلاقة القديمة المتجددة. يقول الشاعر:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
وفي هذا تحذير واضح ألا ينخدع الإنسان بمن يظهر له كذبا المودة والابتسامة على حين أنه يبطن السوء والشر. ومثل ذلك قول الشاعر:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
إذ إن الثعلب يشتهر بقدرته على المراوغة السريعة وبمكره الشديد. أما الجمل أو سفينة الصحراء فتربطه بالعرب علاقة وثيقة جدا بحكم معيشتهما في الصحراء معا واعتماد كل منهما على الآخر. يقول طرفة بن العبد مثمنا دور ناقته في الترويح عن نفسه عندما يداهمه الهم:
وإني لأمضي الهم عند احتضاره
بعوجاء مرقال تروح وتغتدي
ويقول أيضا في معلقته المشهورة:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت أفراد البعير المعبد
وأمرؤ القيس ينشد شعرا:
تقول وقد مال الغبيط بنا معا
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
والشاعر الآخر يتعجب كيف أن المحبوب يكون أحيانا قريبا ومع ذلك لا يمكن الوصول إليه لسبب أو آخر، مشبها ذلك بالإبل كيف أنها قد تهلك والماء قربها:
ومن العجائب والعجائب جمة
قرب الحبيب وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
ومن أجمل ما قيل في مدح الإبل قول الشاعر محمد القولي:
يا حادي الركب قد لانت لك الإبل
واستأنس الليل وانقادت لك السبل
أصغى لك الرمل واخضلت مدامعه
شجاه منك الهوى يعدي وينتقل
فلان تحت خفاف العيس من وله
وراح في فلك الأشعار ينشغل
لا تشتكي الجوع إن طال المسير بها
ففي السنام عطاء راح ينهمل
إنشرها