Author

القضية الفلسطينية والاستراتيجية المطلوبة

|
لا ننكر فضل المنظمات الفلسطينية على مدى تاريخها الطويل، ولا نقلل من شأن ما حققته من إنجازات على الرغم من التحديات الكبيرة التي تقف أمامها، المتمثلة بالدرجة الأولى في دعم إسرائيل غير المحدود من قبل أمريكا وبريطانيا، بدءا من وعد بلفور والفيتو الأمريكي المتكرر لأي قرار أممي يحاول أن يلجم جماح إسرائيل ويحد من توسعها الاستيطاني واستيلائها على الأراضي، علاوة على الدعم المادي والمعنوي والسياسي لإسرائيل من قبل كثير من دول غربي أوروبا. ومع اعترافنا بهذا التاريخ المؤلم والواقع المر والتحديات الكبيرة، لا بد من الاعتراف أيضا بأن المنظمات الفلسطينية لم تكن فاعلة في الوصول إلى نهاية المشوار، ولم تحقق طموحات الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه أو بعضها.
تتعدد أسباب عدم فاعلية المنظمات الفلسطينية، لكن أهمها يتركز في عدم وحدة القرار الفلسطيني نتيجة الشرخ الكبير في القيادة، وهذه ليست جديدة، ولكن دخول "حماس" الانتخابات في 2006 زاد الطين بلة، وحقق لإسرائيل ما تتمناه! فقد كانت "حماس" تمثل جبهة معارضة مؤثرة بعيدة عن السلطة، لكنها فقدت كل ذلك، وخلطت الأوراق، وأضعفت القرار الفلسطيني عندما دخلت الانتخابات.
أما السبب الثاني، الذي عمق الانقسامات وعدم الانسجام بين المنظمات والفصائل الفلسطينية، فهو أن كل منظمة ترتمي في أحضان الدول الداعمة لها وتتبنى أيديولوجياتها؛ ما يسبب عدم قبولها لدى الأطراف الأخرى، بما فيها الدول العظمى الفاعلة، وهذا الانتماء للدول الداعمة أدى إلى بزوغ منظمات مؤدلجة بأيديولوجيات غير منسجمة لا يمكنها العمل مع بعضها.
لذلك يتمنى كثيرون أن يبقى الفلسطينيون بعيدين عن أي أيديولوجية أو شعارات طائفية وسياسية، وأن يركزوا على قضيتهم فقط، فلو كان الأمر كذلك لأصبح تعاطف الشعوب أكثر ودعمها للقضية أكبر؛ ما سيضغط على حكومات كثير من الدول لدعم قضية الفلسطينيين العادلة.
وفي وسط هذه المتناقضات، يعيش الشارع الفلسطيني بين ويلات الاحتلال والحصار وما ينتج عنه من ضيق العيش والمعاناة اليومية من جهة، وبين قيادات فلسطينية منقسمة لا تخدم القضية بقدر ما تخدم منظماتها وأحزابها من جهة أخرى.
والمعادلة بهذا الشكل لا يمكن أن تستمر! فإما أن تصلح القيادات حالها وتلغي خلافاتها وانتماءاتها الأيديولوجية التي لا تخدم القضية، وتحد من انتشار الفساد واستغلال السلطة بين بعض أعضائها، وإما أن تترك الشارع يتحرك باحتجاجات سلمية لإبراز قضية الشعب الفلسطيني وتوضيح حجم معاناته للعالم، بعيدا عن قفز بعض المنظمات والفصائل لاختطاف تحركات الشارع لمصالحها. في ضوء ذلك، لا أعتقد أنه يخفى على الفلسطينيين أهمية وجود استراتيجية فلسطينية وطنية يتفق عليها الشعب الفلسطيني لتعظيم المكاسب وزيادة الضغط على المحتل، وحشد مزيد من التأييد للقضية الإنسانية العادلة، ولتحديد طبيعة المقاومة، بعيدا عن تبني شعارات وأيديولوجيات متناقضة، ومنع اختطاف تحركات الشارع وتغيير توجهاتها.
ولا يقل عن ذلك أهمية، بناء علاقات متينة مع جميع الدول والمنظمات العربية والدولية مع اشتراط عدم ربط الدعم بأجندات معينة، كما حدث عندما ارتمت بعض المنظمات في أحضان إيران وغيرها. ومن الضروري التركيز على القضية، واتخاذ موقف الحياد والنأي عن شؤون الآخرين، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى عربية أو غير عربية، وعدم المساس بالشعوب العربية وقياداتها من أجل استمرار الدعم.
كذلك من الضروري تكوين لجان مختصة لتمثيل القضية في أوروبا وأمريكا، ولجان مختصة للدول الإفريقية، وأخرى للصين واليابان، تتحدث بخطاب إعلامي عصري يتناسب مع الجماهير في الشرق والغرب، ويستند إلى دلائل تاريخية وحجج منطقية مؤثرة.
كما أعتقد أن هناك حاجة ماسة إلى دعم مراكز البحوث والدراسات الفلسطينية، والاستفادة من الكفاءات الفلسطينية والعربية والأجنبية المتعاطفة مع القضية.
وكما قيل "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" أتمنى رفع مستوى الوعي لدى الشارع الفلسطيني وتصحيح الفهم المغلوط تجاه بعض الدول العربية.
وأخيرا، على الرغم من أن الدول العربية الخليجية هي التي تدعم دون شروط، فإنها هي - مع الأسف - التي تتلقى كثيرا من الشتم واللوم على التآمر والتفريط في القضية الفلسطينية من قبل قلة من الفلسطينيين!
إنشرها