Author

جبر الخواطر

|
خلق الله الإنسان وأودع فيه أحاسيس ومشاعر لا يمكن رصدها أو معرفتها بالأجهزة أو التحاليل. هذه الأحاسيس والمشاعر تتفاوت من شخص إلى آخر لأسباب مختلفة بعضها وراثي وبعضها مكتسب، ولكن يتفق الجميع على أهمية مراعاة تلك المشاعر وهو ما يعرف بـ"جبر الخواطر"، فهو تواصل مع الأرواح هدفه إضفاء البهجة والأنس والسرور على نفسية من يقدم له. هذا التواصل لا يحتاج إلى كثير كلام أو تنميق خطاب بل قد يكون خاليا تماما من الكلمات، فابتسامة صادقة في وجه من يحتاج إليها تغني عن ألف كلمة. ويعدل ذلك أن تربت على كتف أو أن تشد على يد أو أن تقبل رأسا. إن جبر الخواطر فن يعد من أرقى وأجمل ما يمكن أن يقدمه شخص إلى آخر ويدل على سمو النفس ورجاحة العقل وحسن التدبير. علمنا ربنا أهمية جبر الخواطر حين عاتب نبيه وصفيه من خلقه - صلى الله عليه وسلم - حين لم يراع خاطر الأعمى - رضي الله عنه - "عبس وتولى أن جاءه الأعمى..." الآيات. ونجد في سيرته - صلى الله عليه وسلم - من المواقف الشيء الكثير الذي يجبر فيه خواطر الصحابة حتى الأطفال "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟". هموم الدعوة وضخامة المسؤوليات لم تمنعه عليه - الصلاة والسلام - من أن يجبر خاطر صبي صغير بالسؤال عن طيره! وهذا أحد الصالحين يقول: "ما رأيت عبادة أعظم من جبر الخواطر". وقد يجبر الخواطر أناسا وهم يعانون في دواخلهم، ولكن لسمو أخلاقهم حافظوا على هذه الفضيلة، وفي مثل هؤلاء يقول الشاعر:
كم باسم والحزن يملأ قلبه
والناس تحسب أنه مسرور
وتراه في جبر الخواطر ساعيا
وفؤاده متصدع مكسور
لا بد من أن نعود أنفسنا على هذا الأمر، خاصة مع أقرب الناس إلينا كالوالدين أو الأزواج فيما بينهم، أو فيما بين الإخوان والأخوات أو الأقارب، ثم تتسع الدائرة لتشمل الجيران والأصدقاء وكل من عرفنا ومن لا نعرف. ويجب الحذر من عكس ذلك وهو كسر الخواطر لأنه كسر للأرواح. اجبر خاطر الجميع ليجبر الله خاطرك من حيث لا تشعر فقد أثبتت الحوادث صدق المقولة المشهورة: "من سار بين الناس جابرا للخواطر، أدركه الله في جوف المخاطر".
إنشرها