لا تغرق في "التكلفة"
كنت في كل عام تقريبا أعلق على الدراما السعودية والخليجية في رمضان باعتبارها جزءا من ثقافتنا التي نقدمها للآخر كما نقدمها لأنفسنا، وهذا العام لم أفعل لأنني ببساطة لم أتابع.
لقد قررت ألا أكون ضحية لما يسمى "مغالطة التكلفة الغارقة"، وهي لمن لا يعرفها الاستمرار في فعل شيء فقط لأنك دفعت مالا، أو خصصت وقتا، أو اتبعت الجموع، مثل أن تشتري تذكرة لعرض فني أو رياضي وما إن يمضي بعض الوقت حتى تتأكد أنه سيئ وغير مناسب لكنك تستمر رغم ذلك.
لقد فقدت عنصري المتعة والفائدة في الدراما العربية إجمالا والخليجية والسعودية خصوصا، وربما تكون هناك نوادر تستحق لكني لم أصادفها أو أعرف عنها.
لا أعرف إن كان لذلك علاقة بالعمر حيث مرحلة الحرص على عدم مضيعة الوقت والجهد والمزاج، أو هي أنانية ذاتية ورغبة في قضاء الوقت في معتزلات محبذة كالقراءة، وتفقد الذكريات، أو هي نوع من ارتفاع الذائقة -كما أتمنى لي ولغيري ممن فعل مثلي- حيث لم تعد ترضى إلا بما يفيد أو يحقق متعة ما؟
لست أنسف جهد أحد -إن كان ثمة جهد بمعنى الكلمة- لكن يبدو أنني تخلصت من فكرة "ألا يفوتني شيء" خاصة مما يتحدث عنه الناس ، كما أنني بت مقتنعا أن انحدار الدراما أو ضعفها هو جزء من طبيعة هذه المرحلة ونتيجة لأسباب كثيرة لها علاقة بالإبداع متمثلا في الكتابة والأداء والإخراج، وبالاتصال والتسويق حيث قوة التأثير والشهرة "والشللية" في الإعلام التقليدي والرقمي يسوقون لبعضهم، أو يتغاضى بعضهم عن التفاهة حتى لا يخرج من مجموعة ما أو يفقد جزءا من جمهور ما.
ومثل الدراما هناك مغالطة تكلفة غارقة تمتد لأشياء كثيرة في تفاصيل يومنا، وتزداد "تكلفتها" في شهرنا الفضيل الذي ودعناه وانتهكت أشياء روحانية كثيرة باسمه أو باسم "موسمه" ولعل في "ملل" مزيد من الناس من الدراما أو أي شيء مرهق آخر للروح أو الجسد أو ألم لبارقة أمل في استعادة ما يجب أن يكون عليه المسلم في رمضان خاصة، وما يجب أن يكون عليه الإنسان عامة في كل وقت.
لا تجبر نفسك على مجاراة الجموع، لا تتناول طعاما لا تستسيغه فقط لأنك دفعت ثمنه، ولا تستمر في قراءة كتاب ولا مشاهدة عمل لم يرق لك فقط لأنك قطعت شوطا فيه، انتقل فورا لما بعد كل ما لا يروق لك وجرب ففي التجارب ثراء ومزيد من الخبرة.