Author

برامج الرؤية .. كفاءة واستدامة

|

 
يمثل برنامج كفاءة الإنفاق في المملكة، مشروعا استراتيجيا بحد ذاته، خصوصا أنه يشكل محورا رئيسا في رؤية المملكة 2030، فهذه الرؤية التي تقدم سلسلة لا تنتهي من المشاريع التنموية الهادفة إلى استكمال مسيرة بناء اقتصاد مستدام يليق بالمملكة حقا، لم تضع ما يسمى "ترشيد الإنفاق" محورا، بل كانت إدارة الإنفاق بما يتناسب مع توجهات "الرؤية" هي المحور، وبالتالي كان طبيعيا أن تتمكن المملكة من توفير 400 مليار ريال في غضون الأعوام الأربعة الماضية.

وهذا الإنجاز سيساعد، وفق محمد الجدعان وزير المالية، على إعادة النظر في ضريبة القيمة المضافة، عندما تنجز - بالطبع - كل المستهدفات، بما في ذلك ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، وتوسيع دائرة الاقتصاد وزيادة أسعار النفط، وهذا بالفعل ما أشار إليه وأكده سابقا، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. كل هذا يأتي في ظل برنامج الاستدامة المالية الذي أطلق في عام 2017، وشكل بالفعل نقطة تحول في ميدان عملية التخطيط المالي على المدى المتوسط، وأي خطوة تتحقق في هذا المجال تؤسس لاستكمال هذه العملية على المدى البعيد، وذلك لأهميته على المستويين النظري والتطبيقي، وتأثيرها فـي تصميم وتنفيذ وفاعلية السياسات الاقتصادية الكلية، واعتبارها المؤشر الرئيس لقياس قوة الاقتصاد، ومدى قدرته على استيعاب الصدمات الاقتصادية الداخلية والخارجية.

فالنمو الاقتصادي المستهدف في المملكة، لم يعد كما كان قبل إطلاق رؤية المملكة 2030، لأنه يستند أساسا إلى مجموعة من الأدوات التي دخلت مرحلة التمكين بالفعل، وفي مقدمة هذه الأدوات، تنويع مصادر الدخل، ما يعني تعدد مصادر إيرادات الدولة وعدم الاعتماد على إيرادات النفط بشكل كلي. وهنا تأتي نقطة مهمة، وهي كفاءة الإنفاق الحكومي، الذي أسفر - كما لاحظنا - عن توفير مليارات الريالات في غضون فترة زمنية تعد قصيرة وفق مقاييس البناء الاقتصادي عموما. ومن العناصر المهمة أيضا في تعزيز مسيرة "الصحة المالية" - إن جاز التعبير - المشاريع التي تضمنتها "الرؤية" فيما يتعلق بدور القطاع الخاص في عملية التنمية كلها، فهذا الميدان تلقى مزيدا من التشجيع والدعم، عبر سلسلة من الإجراءات والقوانين المساعدة، حتى إن هذه القوانين أسهمت أيضا في استقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية التي تتدفق على السعودية، ولا سيما مع ما تتمتع به من قوة اقتصادية وسمعة ائتمانية عالية حتى في ظل الركود الذي أصاب العالم في فترة جائحة كورونا.

فقد التزمت الحكومة السعودية باستدامة المالية العامة، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، رغم استمرار التأثيرات الناتجة عن الجائحة وما تبعها من انخفاض حاد في نمو الاقتصاد العالمي وأسعار النفط. وبالعودة إلى "كفاءة الإنفاق"، فإن هذا المشروع ضمن دعم المستحقين من المواطنين، وتوفير مزيد من الرعاية لهم على أسس واقعية ومستحقة. ببساطة، لم يعد في ظل "كفاءة الإنفاق" وجود للهدر المالي، وهذا أهم عنصر من العناصر المطلوبة لأي اقتصاد وطني يسعى إلى الاستدامة. برنامج "كفاءة الإنفاق" لم يضمن الاستدامة المشار إليها فحسب، بل وفر سيطرة على نسب العجز من الناتج المحلي الإجمالي، ففي عام 2015 بلغت نسبة هذا العجز 15.8 في المائة، لتنخفض في عام 2019 إلى 4.5 في المائة، وهذا بالضبط ما ساعد "إلى جانب الوضعية الاقتصادية القوية"، المملكة على الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا.

فخفض العجز رفع جزءا كبيرا من الأعباء المالية عن كاهل المالية العامة، فكل توفير مالي، عبر التطبيق الأمثل لبرنامج "كفاءة الإنفاق"، أو من خلال البرامج المساعدة الأخرى، شكل سندا آخر جديدا، سواء في وقت الأزمة أو في زمن الانفراج. الاستدامة التي تسعى إليها القيادة العليا، آتية في الطريق، في ظل المسار الصحيح لعملية تنفيذ رؤية المملكة 2030، فهذه "الرؤية" تصنع في الواقع المستقبل المأمول، وتؤسس ازدهارا مستداما للأجيال القادمة.

إنشرها