Author

فقر الإحصاءات في عصر الوفرة!

|
تحظى البيانات والإحصاءات بأهمية كبيرة، بل بدور محوري في مجالات التخطيط وإدارة شؤون الدولة بوجه عام ودعم القرارات في القطاعين العام والخاص بشكل خاص. فكما يقال "لا تنمية دون تخطيط، ولا تخطيط دون بيانات أو إحصاءات". فالبيانات هي أساس المعلومات، والمعلومات هي أساس التخطيط الذي يوجه التنمية ويحدد أهدافها ويقيم إنجازاتها. والبيانات هي المادة الخام المكونة من حقائق، أو قراءات وقياسات أو مشاهدات حول موضوع معين، وتكون على هيئة أرقام أو رموز، وعند معالجتها يمكن الحصول على المعلومة باستخدام إحدى الطرق الحسابية أو الإحصائية ونحوهما.
والفقر الإحصائي هو أحد التحديات الرئيسة التي تواجه الدول العربية عموما، إما لعدم الاهتمام بالإحصاءات بالدرجة الكافية أو بسبب الحساسية غير المبررة والخشية من ردود الفعل عند إطلاق البيانات وتداولها، لدرجة أن حجب البيانات من قبل مسؤولي إدارات الإحصاء أصبح ثقافة شائعة على طول الدول العربية وعرضها، ربما امتثالا بالمقولة الشعبية "باب يجيك منه ريح، سده واستريح". هذه الثقافة الكارثية أدت إلى عدم إمكانية تقييم البيانات، ومن ثم صعوبة تحسين دقتها ومستوى جودتها. ومن المؤلم جميع الدول العربية تكاد تخلو من أنظمة حديثة وشاملة للإحصاءات، تصنف البيانات من حيث نطاق تداولها، وتحدد الحقوق والواجبات المترتبة على استخدامها وتداولها والاستفادة منها.
هذا الوضع الإحصائي يحد من دور الإحصاءات في دعم القرارات ورسم السياسات العامة من جهة، ويقلص الإبداع في البحث العلمي في الدول العربية من جهة أخرى، خاصة في مجال العلوم الاجتماعية.
إن تعظيم الاستفادة من بيانات التعدادات السكانية والمسوحات التي تجريها الوزارات والأجهزة الإحصائية، التي ينفق عليها مبالغ ضخمة يعد أولوية وطنية تتطلب قرارات حاسمة لإتاحتها للاستخدام في البحث العلمي والأعمال والاقتصاد، وفق أنظمة واضحة وشفافة.
وهناك حاجة ماسة لإتاحة البيانات الخام Raw Data أو عينة منها في متناول الباحثين من أجل النهوض بالبحث العلمي الإبداعي في مجال العلوم الاجتماعية عموما والدراسات الجغرافية والسكانية والاجتماعية خصوصا. وإلى جانب ذلك، هناك نقص كبير في البيانات الخاصة بخصائص المدن، وكذلك عن متوسط دخل الأسرة، والهجرة الداخلية حسب الوحدات المكانية الصغيرة، وكذلك تغيير مقر الإقامة أو الانتقال السكاني داخل المدن، إضافة إلى توفر بيانات تفصيلية عن الوافدين - الهجرة الخارجية - تتضمن بيانات عن دولة الميلاد، ودولة الجنسية، والدولة التي عاش فيها قبل الوصول، وأسباب القدوم، ومدة الإقامة، والمستوى التعليمي، والحالة الزواجية وغيرها.
ومع توفر التقنيات الحديثة والتقدم الهائل في برمجيات الذكاء الاصطناعي، أضحى من الضروري إنشاء شبكات بيانات سكانية شاملة من خلال ربط البيانات السكانية والمساكن مع البيانات التعليمية والصحية والاقتصادية، مما سيوفر بيانات مكانية دقيقة وآنية.
واختتم بتجربة شخصية تعكس معاناة كثير من الباحثين، أقوم مع فريق بحثي بدراسة حول أحد البرامج وقد تطلب إنجاز الدراسة الحصول على بيانات عن خصائص المدن الرئيسة فقط، وليس جميع المدن، وبعد مكاتبات واتصالات مع الهيئة العامة للإحصاء لم نتمكن من الحصول على المطلوب على الرغم من توافر البيانات المطلوبة لدى الهيئة، ما أدى إلى التأخر في إنجاز الدراسة. هذه رواية واحدة ويروي الباحثون روايات كثيرة.
إنشرها