Author

مركز الدولة مفتاح نجاح الرؤية

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
لا صوت اليوم يعلو فوق صوت رؤية المملكة 2030، ولا حديث إلا عن الحوار التلفزيوني لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي بثه التلفزيون السعودي الرسمي والقنوات العربية، ونشرته وكالات الأنباء كافة، وتابعه العالم باهتمام بالغ، كما جاءت تعليقات الرؤساء من جميع أنحاء العالم مؤيدة لكثير من القضايا التي طرحها الأمير، والمواقف التي تتبناها المملكة. لقد جاء الحوار التلفزيوني بمناسبة انطلاق المرحلة الثانية من مراحل تنفيذ الرؤية، فكما هو واضح الآن أن للرؤية ثلاث مراحل، لكل مرحلة خمسة أعوام، فالمرحلة الأولي التي بدأت في نيسان (أبريل) 2016 مع تدشينها من قبل خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وانتهت في آذار (مارس) 2021، لتبدأ المرحلة الثانية التي دشنها الأمير محمد بن سلمان في نيسان (أبريل) 2021 وتستمر حتى آذار (مارس) 2026، وقد تنتهي الرؤية في عام 2030، كما هو مخطط لها -بإذن الله. والسؤال الأن بشكل مباشر ما هو الفرق بين رؤية 2030 وخطط التنمية الخمسية التي كانت معتمدة حتى تم التوقف عنها واستبدالها برؤية 2030.
بداية، فإن خطط التنمية الخمسية تنتهي بنهاية كل خمسة أعوام، وهذا فرق جوهري جدا، فهي تخطيط استراتيجي تقليدي، ولا شك أنها دعمت العمل الحكومي في مراحل سابقة، فقد استطاعت أن ترتقي بالتعليم من مراحل متدنية جدا وأمية عامة هائلة، كما كانت الصحة مستهدفا قويا لها، وقد استطاعت الحكومات السعودية من خلالها مكافحة الأمراض المستوطنة بنشر ثقافة الصحة وبناء المستشفيات، وتم نشر ثقافة التطعيم في الأعوام المبكرة، وهناك عديد من الإنجازات في النقل والخدمات العامة والأمن والدفاع عموما، ليس هذا مجال لحصرها، لكنها تمت من خلال التخطيط الكلاسيكي وفقا لنموذج الخطوط العريضة، وتم ترك آليات التنفيذ للوزارات ولعواصف التقلبات الاقتصادية والظروف المالية العامة وأسعار النفط، وهذا استنزف الوقت والجهود، فما يمكن إنجازه في عام أصبح يستغرق أعواما عديدة، وظهر الفساد في التنفيذ وتزايدت قضايا التعثر في أعمال الوزارات حتى بلغت أرقاما قياسية قبل تولي الملك سلمان، الحكم، وساد الفكر البيروقراطي وتباطأت خطط التحول الإلكتروني، مع تشتت في الأوليات كلما تغيرت القيادة في الوزارات، وهو ما أنتج مشاريع لا تتواءم مع مستهدفات الخطة الخمسية، ومع ذلك فإن المخطط الاستراتيجي لم يكن قادرا على تغيير الواقع التنفيذي، وأصبحت الخطط الخمسية عاجزة تماما عن إحداث تحول كبير في مسار التنوع الاقتصادي مع تسابق العالم من حولنا إلى عالم الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وبقينا عالقين تحت سياط الاعتماد على سعر برميل النفط رغم مضي 45 عاما منذ انطلاق الخطط الخمسية.
رؤية المملكة 2030 تتفق مع الخطط الخمسية في أنها توجه استراتيجي، لكنها تختلف عنها في أن الرؤية واضحة المستهدفات، ولديها برامج معدة بشكل دقيق، وجميع الوزارات تخضع لهذه البرامج وتضع في مقابلها مبادرات يقاس بها الأداء والتقدم، كما أن للرؤية مركزية في الرقابة والتوجيه، وهو ما عبر عنه الأمير محمد بن سلمان، بمركز الدولة وهنا أقتبس "كان لدينا مشكلة إسكان عمرها 20 عاما لم نستطع حلها، والمواطن ينتظر أن يحصل على قرض أو دعم سكني لـ 15 عاما تقريبا، ورصد لها في عهد الملك عبدالله -رحمه الله- 250 مليار ريال في 2011، وفي 2015 لم يصرف منها إلا ملياران فقط ولم تستغل ولم تتمكن وزارة الإسكان من تحويل هذه المبالغ إلى مشاريع على الأرض بسبب رئيسي، هو أن مركز الدولة ضعيف والوزارات متفرقة". وقال -حفظه الله-: إن "مركز الدولة كان أكبر تحد يواجهنا في 2015، وعندما أصبح الملك سلمان ملكا، هناك وزارات ومؤسسات ونظام أساسي للحكم يوضح أثر السلطات وأدوار السلطات، لكن عندما تأتي للسلطة التنفيذية تجد مركز الدولة غير موجود، فلا تصنع استراتيجية في مركز الدولة ولا تصنع سياسة في مركز الدولة، والميزانية لا تعد في مركز الدولة، تعد من قبل الوزارات كل على حدة"، انتهى الاقتباس.
تتفق الرؤية مع الخطط الخمسية في أنها جميعا تستهدف التنمية، لكن تنمية الخطط الخمسية عشوائية مهدرة للموارد، تقف عند مستوى وضع المستهدفات ثم تختفي في غياهب الأرواق المتراصة في مكاتب إدارات التخطيط والميزانية عند موظفين بالمراتب دون العاشرة لا حول لهم ولا قوة، بينما يقرر كل وزير ما ينفذه بحسب رؤيته ولا بقضايا الوزارات الأخرى ولا التشابكات الاقتصادية، لهذا يقف الجميع دائما عن التقاطع، عند تعارض خطط كل وزارة مع خطط الوزارة الأخرى، وتصبح مسألة تخصيص الموارد معقدة ولا أحد قادر أن يتخذ قرارا فتتحول الخطط لصراع وتعنت تحتاج إلى من يفصل فيها بوضوح. هذه المشكلة وضحها ولي العهد - وهنا أقتبس، "ملف الإسكان عندنا 250 مليار ريال لا تستطيع أن تصرفها، لأنه يحتاج أرضا، وعندنا مشاكل مع البلدية، وسياسات البلدية ليست متوائمة مع سياسات الإسكان، ويحتاج نظاما له علاقة بالرهن العقاري وبالاقتراض وإقراض البنوك ويحتاج البنك المركزي تشريعات لتطبيق هذا الشيء، فبدون مركز دولة قوي يضع سياسات واستراتيجيات ويوائمها بين الجهات ويعطي لكل وزارة دورا مطلوبا منها لتنفيذه لا يتحقق شيء".
تتفق الرؤية والخطط الخمسية في أن لكل منها مستهدفات، لكن الفرق أن عملية صناعة المستهدفات في الخطط الخمسية غامضة وغير مفهومة، ولم تأخذ حقها من النقاش الوطني ولا تقابل تحديات العصر ولا تستغل جميع الموارد المتاحة ولا تنمية القطاعات الاقتصادية، لكن الرؤية تضع مستهدفاتها بدقة واحترافية، من خلال حوار وطني قاده الأمير محمد بن سلمان، بنفسه، فالرؤية تضع مستهدفات تترجم لاستراتيجيات تحدد تكلفتها بدقة في كل سنة تذهب للمكتب المالي في مركز الدولة الذي يدير الرؤية، ويحدد قدرات إيرادات الدولة في تمويل الميزانية، لتعود مرة أخرى إلى مكتب الاستراتيجية، وترسم أولويات، وقد يتم تأجيل البعض وإعادة هيكل تكلفة بعضها الآخر، ثم تترجم إلى سياسات، تحول إلى أوامر للوزارات بالتنفيذ، مع تنسيق وتوزيع مهام لكل الوزارات لتحقيق كل هدف استراتيجي مطلوب. على هذا النحو تدار برامج الرؤية، ومستهدفاتها، وكما أكد ولي العهد، أن الكفاءة والقدرة والشغف عند المسؤول، هي قضايا تؤخذ في الحسبان في اختيار فريق العمل.
إنشرها