Author

عندما تكسر الأرقام

|

"اقتربنا من كسر أرقام "الرؤية" قبل الوصول إلى 2030 بكثير" هذا ما ذكره ولي العهد أثناء حديثه عن واقع تنفيذ "الرؤية" أثناء لقائه التلفزيوني قبل أيام. الحديث عن الأرقام دائما شيق وموضوعي. ورغم أن تعديل الأرقام ومراجعتها صعودا أو هبوطا ليس بالأمر السلبي، بل يعكس واقعية ومرونة تتطلبها تنفيذ البرامج الضخمة التي لا تخلو من تعقيد وتحديات، إلا أن الواقع اليوم يقول - وكما أكد -: إن ما تحقق ينبئ عن تسارع إيجابي وأحلام أسرع ما نعتاد عيشها وممارستها كل يوم، ما يوسع قاعدة الطموح ويفتح الآفاق لمزيد من الإنجازات.
من ينظر إلى الأرقام سيجد أن القائمة طويلة جدا فالمستهدفات متنوعة وتشمل كل محاور وبرامج "الرؤية". من هذه المؤشرات ما يمس المواطن بشكل مباشر ومنها ما يرتبط بحركة اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك تؤثر في جودة حياة المواطن في نهاية الأمر، وتعمل كل هذه المنظومة بشكل رائع يتحسن فيه منحنى التعلم على مستوى الفرد والمنظمة والمجتمع بشكل سريع، ما يمكننا من المحافظة على حالة التقدم التي نسعى خلفها - بإذن الله.
جولة سريعة على بعض الأرقام المختارة توضح لنا الفارق الشاسع بين ما كنا عليه قبل بضعة أعوام، وما نحن عليه اليوم، وهو بلا شك فارق يجعل ما نحن مقبلون عليه أكثر وضوحا مما مضى. مؤشر الحكومة الإلكترونية على سبيل المثال ارتفع خلال الفترة ما قبل إعلان "الرؤية" إلى عام 2020 من 0.6822 إلى 0.7991 "على مقياس 0-1" وهو أمر واضح وجلي يشهد كثيرون فيه بتفوق الإمكانات والحلول الرقمية التي تقدم بها الخدمات الحكومية. ويعكس مؤشر نضج الخدمات الحكومية الرقمية نسبة نمو متفوقة كذلك، إذ ارتفع من 60 إلى 81.3 في المائة للفترة نفسها. وهذا الأمر لم يأت انفرادا فمؤشر الأمن السيبراني ارتفع من 0.294 إلى 0.881 (0-1) ومثله مؤشر التجارة الإلكترونية الذي ارتفع من 52.2 إلى 73.3 (0-100)، وهذا انعكس وتأثر بعدد من مؤشرات البنية التحتية التقنية مثل تغطية الألياف الضوئية للمنازل التي تضاعفت من 1.2 مليون منزل إلى 3.5 مليون منزل عام 2020، ونراه كذلك في تضاعف عدد مشتركي النطاق العريض من 10.36 إلى 20.24 لكل 100 شخص، ومع ازدياد حجم الاستخدام تضاعفت السرعة ولم تنقص، إذا تضاعفت متوسط سرعة الإنترنت 12 مرة، من 9 ميجابت في الثانية عام 2017 إلى 109 ميجابت في الثانية عام 2020.
وإذا تجاوزنا الإنجازات التقنية ونظرنا إلى الجوانب الاجتماعية فالأمر يسري على الوتيرة نفسها، إذ تضاعف عدد المتطوعين خلال هذه الفترة من 23 ألف متطوع إلى 409 آلاف متطوع وهذا ما يقارب 18 ضعفا، وارتفعت مع ذلك القيمة الاقتصادية للتطوع في المملكة للفرد من 0.6 ريال في الساعة إلى 21.7 ريال في الساعة، وهذا إنجاز خيالي لا أعتقد أن أحدا كان يتوقعه قبل خمسة أعوام، فالزيادة هنا مهولة كما ونوعا وتأثيرا. وارتفعت نسبة الممارسين للرياضة مرة واحدة أسبوعيا على الأقل من 13 إلى 19 في المائة وهذا يعادل ارتفاعا بقدر 45 في المائة وهو ليس بقليل مع أن النسبة متوقع لها مزيد من النمو المرتبط بزيادة خيارات ممارسة الرياضة المتأثرة بتزايد المجموعات والأندية والاتحادات الرياضية. ورافق هذه الأرقام زيادة قوية في الخيارات الترفيهية والسياحية سواء تكلمنا عن نمو سعة استضافة المعتمرين التي زادت بما يقارب مليوني معتمر أو بعدد الأماكن الترفيهية التي تضاعفت تقريبا من 154 إلى 277 موقعا، وازدادت كذلك المواقع التراثية من 241 موقعا إلى 354 موقعا بنسبة 47 في المائة تقريبا. ومن المشاهد أيضا انخفاض معدل وفيات حوادث الطرق من 28.9 إلى 13.5 لكل 100 ألف سنويا.
إذا تحدثنا عن المؤشرات الاقتصادية فالقائمة طويلة ومعظمها يرتبط بالأثر الأبعد طويل الأجل الذي يشكل دعما للبنية التحتية الاقتصادية، سواء تحدثنا عن مؤشرات الاستثمار أو الإنفاق أو تنويع مصادر الدخل. واستعراضا لبعض أجمل الملامح نشاهد أن إنتاج المملكة من الأسماك والربيان المستزرع تضاعف خمس مرات إذ بلغ 100 ألف طن في 2020 بعد أن كان يعادل 20 ألف طن، والنمو ما زال مستمرا. وتضاعفت كذلك قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية ثلاث مرات، إذ بلغت 17.6 مليار ريال بعد أن كانت 5.2 مليار ريال، بينما زادت أعداد المصانع بنسبة 39 في المائة، من 7.2 ألف مصنع إلى ما يقارب عشرة آلاف مصنع، تزامن ذلك مع تحسن رحلة تأسيس الشركات الطويلة التي تأخذ نحو الـ 15 يوما يزور فيها المراجع ثماني جهات حكومية إلى 30 دقيقة وخطوة إلكترونية واحدة. لا ننسى أن كل إنجاز ومستهدف تم الوصول إليه أو تجاوزه قد عاش في زمن كوفيد، أعتى تحديات البشرية في الأعوام الأخيرة. وبينما تنهار منظومات كبرى ويرى أهلها بقاء أثر ذلك لأعوام مقبلة، نرى منظومة "الرؤية" وقائدها في طريق التقدم وكسر الأرقام - بإذن الله.

إنشرها