Author

البعد عن التطرف

|
يتفاوت الناس في فهمهم للحياة تفاوتا كبيرا فنجد أن بعضهم كما تقول العرب - على طرفي نقيض - أو كما يقال بين غال وجاف. وكان من المفترض على كل إنسان عاقل أن يتريث ويتأمل قبل أن يتجه صوب أحد الطرفين المتناقضين حتى لا تزل به القدم وحينها يندم، حيث لا ينفع الندم. الطريق واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فمن خلق الإنسان لم يتركه هملا، بل أوضح له سبل الحياة السعيدة وأبان له طريق النجاة. يقول الحق سبحانه: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا.."الآية، "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما". وأرشدنا المبعوث رحمة للعالمين إلى السبيل الأمثل للسعادة وهو التوسط والاعتدال في الأمور كلها، "لن ينجي أحدا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، القصد القصد تبلغوا". ومن الدعاء المأثور "وأسألك القصد في الفقر والغنى". وهذا توجيه مباشر إلى أهمية ضبط النفس وتوجيهها لمقام الاعتدال فلا إفراط ولا تفريط، وإنما توازن في كل أمر من أمور الدين والدنيا، فالاعتدال مطلوب في الإنفاق فلا إسراف ولا تقتير، ومطلوب في الأكل والشرب واللباس ومطلوب في العمل والراحة، "إن لبدنك عليك حقا"، بل حتى في النطق والكلام. وصدق الشاعر حين قال:
لا تغل في شيء من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقول الآخر:
عن القصد جاروا وما جرت عن قصد
إذا خفيت طرق الفرائس عن أسد
لقد ابتلي بعض المجتمعات البشرية بأناس ركبوا موجات التطرف، فما بين متطرف في فهمه للدين غال غلوا يخرجه عن التدين الصحيح، وبين متطرف في بعده عن الدين راكبا موجات العلمانية أو الإلحاد، وكلا الفريقين قد جانب طريق الصواب، فالوسطية ليست مجرد شعار أو موقف بين تشدد وانحلال أو إفراط وتفريط، بل هي سلوك انضباطي مطلوب، به تستقيم حياة الإنسان وتمكنه من أن يعيش في مجتمع متآلف متحاب يشد بعضه بعضا ليرقى إلى مكانته التي يستحقها في صدارة المجتمعات الإنسانية.
إنشرها