اقتصاد العاصمة .. تحولات كبرى

عاشت العاصمة الرياض مراحل مهمة ومتعددة من التطوير، والبناء، والتنمية الاقتصادية، كونها قلب المملكة النابض، وينتظر أن تتبوأ مكانة كبيرة بين مدن العالم، نظير المشاريع التطويرية المقبلة، التي تتسق مع رؤية المملكة 2030. مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، الذي عقد في الرياض مطلع العام الحالي 2021، كان شاهدا على لمحات تطوير العاصمة، وذلك بعد أن أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، استراتيجية تطوير مدينة الرياض على مستوى التنمية الاقتصادية الحديثة، والأخذ بأنماط الحياة المتطورة لترسم للرياض مكانا ضمن أكبر عشر مدن اقتصادية. الاستراتيجية تضمنت أيضا أن يصل عدد سكان العاصمة إلى ما بين 15 إلى 20 مليون نسمة بحلول عام 2030، مع مستويات متقدمة من جودة الحياة.

وأوضح ولي العهد، حينذاك، أن الاقتصادات العالمية ليست قائمة على الدول، بل هي قائمة على المدن. الرياض كانت بحاجة ماسة إلى تطوير بنيتها التحتية، وسن تشريعات مناسبة تضمن تحقيق المستهدفات الاقتصادية والتنموية مع ضمانات كافية لجودة الحياة أولا، سواء من التعليم أو البيئة. ووفقا لذلك، فلدى الرياض مشاريع جبارة في البيئة والتوسع في المجالات التقنية، والأخذ بأسباب الاقتصاد الرقمي ونهج الذكاء الاصطناعي، مثل مئات الحدائق، إضافة إلى برنامج الرياض الخضراء لخفض درجة الحرارة ما بين درجة إلى أربع درجات مئوية.

وتعمل الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض، على مشاريع ضخمة، مثل قطار الرياض، والمسار الرياضي، والرياض آرت، وحديقة الملك سلمان، وغيرها، وتعد مشاريع ترفع من قدرات الرياض لتحقيق الخطط الاستراتيجية الضخمة، كونها مهيأة لاحتضان أكبر مركز مالي يساعد على ربط العمليات الإنتاجية، التي تعتمد على عنصر العمل واستقطاب الشركات العالمية والتنوع الاقتصادي في عديد من القطاعات.

إن هذه الخطط الاستراتيجية والتحولات الكبرى التي ستشهدها الرياض لتصل إلى مستوى أكبر عشر مدن في العالم، سترفع من مستويات العرض على الصحة والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى، وهو الأمر الذي يتطلب في مرحلة ما دقة في عمليات التخطيط، وقد يلزم الأمر إيقاف التصرفات العقارية والبناء في مساحات كبيرة من الأراضي في المدينة. هذه القرارات الأخيرة تدخل ضمن دعم استراتيجية الرياض لتدخل في قائمة وتصنيف المدن العالمية الأكثر تعاملا مع مفاهيم حركة مؤشرات الاقتصادات الجديدة بجميع أنواعها ومفاهيمها.

فالرياض ليست مدينة صغيرة، بل تشكل 50 في المائة من الاقتصاد غير النفطي للمملكة، كما أن تكلفة إيجاد الوظيفة في الرياض أقل بـ30 في المائة من أي مدينة أخرى، وتشهد حركة اقتصادية متطورة يوما بعد يوم، بسبب سرعة تنفيذ المشاريع الحيوية فيها. كما أن تكلفة تطوير البنى التحتية والتطوير العقاري في الرياض أقل 29 في المائة من باقي مدن المملكة، وهي تسابق نفسها، حيث اندفع المجتمع للعيش فيها بشكل تسبب في حدوث عشوائيات مؤقتة.

لذلك، خطط تطوير الرياض تطلبت إيقاف التصرفات العقارية في بعض المخططات التي بدأت تشهد نوعا من العشوائية في البناء، يقودها في ذلك زخم الطلب على السكن مع تسارع خطط الإسكان، لهذا فإن تحقيق مسار واضح لشكل وبنية التوسعات العمرانية وفقا لكود عمراني، سيضمن شروط الاستدامة والنمو المنشود. وبالأمس، تم إعلان رفع الإيقاف والسماح بالتصرف في أجزاء كبيرة من المخططات، وهذا يعد مؤشرا اقتصاديا مميزا وبارزا، وهو بحد ذاته دلالة على استكمال مراحل مهمة في تنفيذ الخطط والمستهدفات.

على هذا، فإن إيقاف التصرفات العقارية والبناء في مخططات معينة من مدينة الرياض والسماح مرة أخرى، يعكس حرص الدولة على حفظ حقوق المواطنين، فالهدف من الإيقاف كان لضمان استدامة المواقع والتجمعات السكنية في المدينة، وفق ترتيبات تنظيمية واضحة، تكفل وصول الخدمات بكل يسر وسهولة، والأمر كان يتطلب في مرحلة ما من التخطيط، القيام بعدد من الدراسات لتحسين تجربة السكان، وتطوير المرافق العامة والخدمات، ورفع مستوى جاذبية المنطقة، وتحسين شبكة الشوارع والطرق، لتعزيز التنقل وتسهيل الترابط داخلها، وتنظيم البيئة العمرانية، لإبراز مظهر نموذجي ومتجانس لها، ومعالجة التعديات التي تشوه الصورة الحضرية.

كما هدفت إلى ضمان اتساق المشاريع الجديدة والنمو العمراني المستهدف، مع احتياجات السكان وتلبية تطلعاتهم. وبعد أن تم استكمال الخطط والدراسات، عملت الدولة على رفع الإيقاف لتمكين المواطنين من التصرف في أملاكهم، بينما سيتم العمل أيضا على تنفيذ إيصال الخدمات والبنية التحتية المطلوبة، من تطوير أساليب النقل المتنوعة وتحديث الشوارع ودعمها بالخدمات المرورية، واللمسات الجمالية من إنارة، إلى خدمات أخرى تجعل من العاصمة الرياض مدينة ذات جذب اقتصادي يفد إليها المستثمرون والسياح من أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي