Author

المملكة ومفهوم السعادة

|
السعادة هي الهدف النهائي للإنسان، فالإنسان يتعلم، ويسعى لكسب العيش وزيادة الدخل، وامتلاك المساكن والعقارات والسيارات، وقبل ذلك يطلب رضا الرب، ويعمل لبناء سمعة طيبة بين الناس، كل هذه من أجل الشعور بالرضا الذاتي والسعادة. وبناء عليه، فإلى جانب رضا المعبود، فإن الشعور بالسعادة هو الهدف النهائي للإنسان. وقد كانت المنظمات الدولية والباحثون في مجال التنمية يركزون على قياس الدخل أو المعيشة لقياس مستوى التنمية في دول العالم، ولكن اتضح أن الدخل وحده لا يحقق السعادة. فالسعادة مفهوم أوسع ومؤشر مركب يتأثر بكثير من المتغيرات الخاصة بالإنسان وأسرته، إلى جانب متغيرات كثيرة تتعلق بالبيئة أو المحيط الخارجي، مثل: الأمن والخدمات والترفيه والحريات ونحوها.
من هذا المنطلق، ازداد الاهتمام بمفهوم "السعادة" ومدلولاتها وطرق قياسها سواء على المستوى العالمي أو في كل دولة على حدة. ويعد تقرير السعادة العالمي World Happiness Report أحد هذه الجهود. وفي هذا العام، صدر التقرير التاسع الذي تأثر بجائحة كورونا، كغيره من جوانب الحياة، وخاصة فيما يتعلق بجمع البيانات حول تقييم الناس لحياتهم، ولا غرابة في ذلك، فقد أدت جائحة كورونا إلى ارتفاع عدد الوفيات في العالم بنسبة 4 في المائة تقريبا، بل أحدثت عدم أمان اقتصادي وقلقا واضطرابات لكثير من الناس في جميع جوانب حياتهم، بما فيها الصحة العقلية والجسدية. ويعتمد تقييم الناس لحياتهم في تقرير السعادة العالمي على مقياس ما بين صفر وعشرة، بحيث تمثل "عشرة" أفضل حياة ممكنة، في حين أن "صفر" يدل على أسوأ حياة ممكنة من وجهة نظر الإنسان نفسه، إضافة إلى مقاييس أخرى، مثل السؤال: هل شعرت بسعادة واستمتعت بضحكات بالأمس القريب؟
بناء على التقرير، فإن فنلندا تحتل المرتبة الأولى التي كانت على قمة العالم في تصنيع الهاتف المتنقل Nokia، ولكن هذا النوع ما لبث أن اختفى وخسر الرهان التقني. على أي حال، جاءت في المرتبة الثانية آيسلندا، ثم الدنمارك، وبعدها سويسرا، وهولندا، والسويد، ثم ألمانيا، والنرويج. وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة (14) واليابان (40)، وكوريا الجنوبية (50)، والصين (52)، وروسيا (60)، وإيران (77)، وتركيا (78).
أما السعودية، فقد احتلت المرتبة (21)، وتصدرت جميع الدول العربية. فعلى سبيل المثال، جاءت الإمارات في المرتبة (27)، والبحرين (35) والمغرب (80)، ومصر (87)، والأردن (93). ولا غرابة في أن تحقق المملكة هذا الأداء، فقد شهدت تطورا اجتماعيا كبيرا وقفزات غير مسبوقة في الخدمات الإلكترونية خصوصا والخدمات العامة عموما. فهي الأولى عربيا من حيث عدد الجامعات المصنفة عالميا، وهي الأولى عربيا في النشر العلمي، وهي الأولى عربيا في تسجيل براءات الاختراع. نعم، هناك تقدم هائل في الخدمات الإلكترونية، فوزارة العدل تقدم معظم خدماتها إلكترونيا، وكثير من خدمات وزارة الداخلية تصل إليك في منزلك دون عناء الذهاب لمكاتب الأحوال المدنية أو الجوازات، وكذلك وزارة التعليم ووزارة الصحة. وأخيرا، تم إطلاق المنصة الوطنية للعمل الخيري (إحسان). وجاءت هذه المنظومة الرائعة للعمل علـى اسـتثمار البيانات والـذكاء الاصطناعـي لتعظيـم أثـر المشـاريع والخدمـات التنمويـة واسـتدامتها، مـن خلال تقديم الحلول التقنيـة المتقدمة وبناء منظومة فاعلة عبـر الشـراكات مع القطاعات الحكومية والخاصـة وغيـر الربحيـة، من أجل تعزيـز دور السعودية في الأعمال التنمويـة والخيريـة، ورفع مساهمة القطاع غيـر الربحي في الناتج المحلي الإجمالي.
وأخيرا لا تعد هذه الإنجازات نهاية المطاف، بل هذه هي البداية، فالمملكة لديها رؤية استراتيجية طموحة بقيادة ولي العهد، ستحقق كثيرا من التقدم في مجالات التعليم والصناعة والسياحة، باستخدام التخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية، إلى جانب استثمار الأموال والتقنيات الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي.
إنشرها