Author

ما الفرق بين «شريك» والتخصيص .. ولماذا الآن؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
رغم وضوح ودقة خطاب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عند تدشين برنامج "شريك" منتصف الأسبوع الماضي، إلا أنني أجد الكتابة في هذا الموضوع أمرا في غاية الأهمية، فهذا البرنامج يعد من نوع برامج الدعم، لكنه دعم مختلف نوعا ما، فالاقتصاد العالمي كله يعاني جراء جائحة كورونا. وقد أكدت تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أنه رغم العودة إلى النمو بعد الإغلاق، فإن التحسن متباين بشكل كبير، وهذا التباين مصدره سلاسل الإمداد، فقطاع السفر والنقل يعاني بشدة بسبب تعطل قطاع السياحة العالمية، كما أن قطاع السيارات لم يزل يعاني فجوات بسبب تعطل مصانع كثيرة في أمريكا اللاتينية، ونصحت المؤسسات الدولية كافة، الدول القادرة على الدعم بالمحافظة عليه خلال العام الحالي على الأقل، وكانت السعودية من أوائل الدول التي تنبهت لخطورة الجائحة، وقابلتها بحزمة من الدعم أشاد بها العالم، حيث تم تقديم تسهيلات بنكية للشركات تخطت 50 مليارا، إضافة إلى حزمة أخرى للمحافظة على الوظائف. وقد نجحت هذه الخطة في تخفيف آثار الجائحة على كثير من مؤسسات القطاع الخاص، ولعل العودة القوية إلى سوق الأسهم، وكذلك آخر الإحصائيات عن انخفاض معدل البطالة من سقف 15 إلى نحو 12 في المائة، دلالة كافية على نجاح الخطط الاقتصادية. لكن خطورة الجائحة - كما أشرنا - لم تزل ممتدة حتى الآن، بسبب ضعف سلاسل الإمداد العالمية، وبسبب تخلف قطاعات كثيرة عن اللحاق بالركب، ومن ذلك مثلا قطاع الملابس، الذي تأثر بشكل كبير نتيجة تحولات في السلوك والعمل، وقطاع تأجير المكاتب الإدارية، الذي يواجه متاعب شديدة. لذا، فإن حزمة من الدعم الجديدة تحتاج إلى نوع ذكي وجديد من أجل بناء توازن اقتصادي مستدام، وعدم الوقوع في فخ التيسير الكمي الذي اضطرت له الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوربي بعد الأزمة المالية العالمية. هذا النوع الذكي من الدعم جاء اليوم بشكل تشاركي بين القطاعين العام والخاص، وهذا النوع من العمل ليس جديدا تماما على الاقتصاد السعودي، ولدينا تجربة ثرية جدا.
بداية، فإن برنامج شريك ليس نوعا من أنواع التخصيص الذي يمثل نوعا من أنواع المشاركة بين القطاعين الخاص والعام، من أجل قيام القطاع الخاص بإنشاء وتشغيل الموانئ والمطارات ومشاريع تحلية المياه والمدارس، ثم يقوم القطاع الخاص بالتشغيل لحسابه حتى يتم استرداد تكلفة رأس المال وتحقيق عوائد متفق عليها لمدد محددة، أو يقوم القطاع العام بتقديم الخدمات من خلال القطاع الخاص بضمان عوائد للشركات التي أنشأت المشاريع أو المشغلة لها. كما أن برنامج شريك ليس من باب تخصيص الخدمات الحكومية ببيعها للقطاع الخاص الذي سيتولى تقديم هذه الخدمات للمجتمع. فالفرق الجوهري بين برنامجي شريك والتخصيص، من حيث إن برنامج التخصيص يتطلب قيام القطاع الخاص بتوفير الأموال والموارد اللازمة، سواء من خلال تحالفات أو من خلال قيام الحكومة نفسها ببيع حصصها للقطاع الخاص، بينما برنامج شريك يعني العكس تماما، فالدولة هي التي ستقدم الموارد والأموال وعلى الشركات أن تحقق الأهداف من خلال الاستخدام الموجه لهذه الموارد.
وكما أشرت، فهذه التجربة ليست جديدة على الاقتصاد السعودي، فقد تم إنشاء شركة شبيهة، مثل شركة "علم" كذراع اقتصادية لوزارة الداخلية، وشركة "ثقة" كذراع لوزارة التجارة، وكذلك شركات الاستثمار التابعة للمؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية، وهناك أمثلة عديدة أخرى، لكن التجربة الحالية مختلفة من حيث إن شركات مثل "ثقة" و"علم" كانتا تنافسان القطاع الخاص، ولم تكن مبادرة أو جزءا منه فعليا، ولهذا فإن التجربة الجديدة هي إصلاح عميق لهذه التجارب، من حيث إن القطاع الخاص هو الذي سيتولى هذه الشركات كشريك اقتصادي، وتقوم الحكومة بعمليات التمويل اللازمة لذلك.
إذن، فالبرنامج ليس برنامج دعم فقط، وليس برنامج تخصيص فقط، بل هو مزيج بينهما، فهو دعم ذكي موجه، حيث لا يتم منح الأموال للشركات من أجل الإنقاذ فقط، بل من أجل تنفيذ مشاريع اقتصادية أكثر كفاءة يحتاج إليها الاقتصاد ولا يستطيع القطاع الخاص وحده المغامرة فيها، بل قد يحتاج إلى توجيه وضمانات، وتحتاج الشركات إلى إعادة تأهيلها لتكون كذلك، وهذا مهم لتحقيق عدة غايات، الأولى تنفيذ توصيات المؤسسات الدولية بالمحافظة على مستويات الدعم، والثانية ألا يكون دعما دون مساهمة اقتصادية حقيقية، والثالثة أن الجهات الحكومية لم تزل وحدها هي التي تحمل رؤية المملكة 2030 ولم تزل مشاركة القطاع الخاص ضبابية حتى الآن، ولذلك فإن قيام الوزارات والجهات المهتمة بتحقيق الرؤية يتطلب ذراعا اقتصادية تتمثل في شركات ذات مرونة عالية في العمل، وتحقق قفزات سريعة بعيدا عن إبطاء العمل الروتيني الحكومي، الذي يحتاج بذاته إلى ذراع مستقلة، ولهذا فإن الجهات الحكومية تحدد ما تريده بالضبط وتؤهل الشركات التي ترغب في الشراكة وتحدد الآليات التنفيذية وآليات التوظيف والعلاقات التشابكية بين القطاعين.
من الواضح جدا الآن أهمية هذه المشاريع، في إنتاج الوظائف وقدرتها على توفير الموارد الاقتصادية. فمن ناحية توفير الوظائف، فإن الوضع يختلف عن التخصيص الذي يسلخ الوظائف من الحكومة ويحولها للقطاع الخاص، فالزيادة في التوظيف قد تكون محدودة، لكن الوضع الجديد لا يأخذ من الحكومة وظائف، بل ينتج شركات جديدة تماما، وهذا يحتاج إلى وظائف جديدة كليا، كما أنه سيعمل على تقديم الخدمات التي قد تحتاج إليها الجهات الحكومية، من خلال استخدام الأصول غير المتجددة التمويل، بل على هذه الشركات المحافظة على رؤوس الأموال، ما يخفف الأعباء على الميزانية العامة للدولة كلما تزايد عدد هذه الشركات. وفي نهاية المطاف، سنجد عددا محدودا من الجهات الحكومية وعددا ضخما من شركات القطاع الخاص التي تدير الاقتصاد السعودي بكامل طاقته، وهو الهدف النهائي لرؤية 2030، لننطلق بعدها نحو قمة الاقتصاد العالمي بكل متانة، مرتكزين على موقع اقتصادي فريد، وقطاع خاص متمكن، وطاقة بشرية، واقتصاد ذكي، ومدن اقتصادية كبيرة.
إنشرها