صراع القطبين .. حرب باردة

  لم تغير الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن سياسة البلاد حيال الموقف من الصين، وذلك على عكس بعض التوقعات التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. فالموقف الأمريكي واضح من بكين، صحيح أنه يبدو أكثر هدوءا من موقف إدارة دونالد ترمب السابقة، إلا أنه لا يقل عنه عنفا من الناحيتين السياسية والاقتصادية. ويبدو واضحا أن إدارة بايدن ليست مستعجلة لفتح حوار موسع بينها وبين الحكومة الصينية، لأنها لم تتحرك منذ وصولها إلى البيت الأبيض باتجاه هذا الحوار، فضلا عن أنها لم تعط أي إشارات إيجابية تدل على إمكانية حل المشكلات العالقة بين أكبر اقتصادين في العالم. 
فإذا كان الخلاف بين ترمب وبكين اقتصاديا بالدرجة الأولى، فإن الخلاف بين بايدن والعاصمة الصينية سياسي واقتصادي في آن معا. 
أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، تحرك سريعا لتوثيق علاقات بلاده الآسيوية، وهذا التحرك جاء مباشرة بعد تحرك تقليدي مماثل مع الجار الكندي، الذي كان يعيش أسوأ علاقاته في عهد الإدارة الأمريكية السابقة. اليابان تصدرت المشهد بالطبع على الساحة الآسيوية، ليس فقط لأنها القوة الاقتصادية الثالثة من حيث الحجم في العالم، بل لعلاقات هذا البلد التي تصاعدت في أعقاب الحرب العالمية الثانية خاصة وعلاقتها المتينة والقوية على المستويين السياسي والاقتصادي مع واشنطن. دون أن ننسى، أن اليابان تمثل ما يمكن اعتباره أيقونة الديمقراطية على الساحة الآسيوية بالنسبة إلى الدول الغربية المتقدمة. 
ما يهم إدارة بايدن الآن هو تعزيز التحالفات مع دول آسيوية محورية، من أجل محاصرة الصين سياسيا، على الأقل في هذه المرحلة في ظل تصاعد قدرات بكين على جميع الأصعدة. بالطبع تحركت الحكومة الصينية حتى قبل أن تصل الإدارة الأمريكية إلى البيت الأبيض، عبر "مغازلات" سياسية معها، إلا أنها لم تلق جوابا شافيا من واشنطن، لماذا؟ لأن القضايا العالقة بين الطرفين كبيرة ومعقدة وهي موجودة على الساحة منذ أعوام عديدة. 
ولا شك في أن المسؤولين الأمريكيين يدعمون علاقات بلادهم على الساحة الآسيوية على المدى البعيد، كما أنهم يسعون أيضا إلى تدعيم آليات التجارة مع هذه القارة، خصوصا إذا ما أخذت المعايير التي جلبتها الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا المستجد في الحسبان. لكن في النهاية الجولة التي يقوم بها وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان في آسيا وتشمل اليابان وكوريا الجنوبية، يمكن النظر إليها على أنها جولة استراتيجية بكل معنى الكلمة، ليس فقط من أجل بناء تحالفات ضد الصين، بل كي تكون بمنزلة آلية لمواجهة التوجهات التي تتعارض مع ما يصفه الأمريكيون بـ"القيم الديمقراطية". 
فجولة استراتيجية كهذه، سبقتها في الواقع قمة مهمة عقدتها إدارة بايدن مع اليابان والهند وأستراليا، وأطلق عليها قمة تحالف مجموعة الحوار الأمني الرباعي، أي أن التحرك الأمريكي الجديد والمتسارع على الساحة الآسيوية يمضي في كل الاتجاهات، من أجل وضع استراتيجية أكثر وضوحا وعمقا للتعاطي مع الصين، فضلا على توجيه إشارات واضحة ومعلنة لروسيا التي توترت علاقاتها مباشرة بعد وصول جون بايدن إلى البيت الأبيض. 
الرئيس الأمريكي على عكس سلفه، معروف بتأييده ودعمه للتحالفات حول العالم، وهو ينفذ في الواقع سياساته وقناعاته بصورة سريعة، وتوقع مراقبون أن يؤجلها بعض الشيء لمواجهة قضايا ملحة أكثر على الساحة الأمريكية الداخلية. لكن يبدو واضحا، أن واشنطن في عهد الديمقراطيين خيبت أمل الصينيين، الذين كانوا يراهنون على إدارة أمريكية أكثر تفهما ومرونة وانفتاحا من سابقتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي