Author

عذابات الروهينجيا مستمرة وهذا آخر فصولها

|

ترى الخوف والرعب في مآقيهم، وتشاهد أياديهم ممدودة لقطعة رغيف أو شربة ماء نقي، وتشعر بالأسى والحزن لأحوالهم وظروفهم، نساء وأطفال وشيوخ مكومون كشحنة بضاعة فاسدة في قوارب بدائية متجهة نحو المجهول وسط أمواج المحيط الهندي العاصفة. أما من قدر الله له أن يصل سالما إلى شواطئ الأمان فأوضاعهم بائسة ومحزنة أيضا بسبب تجميعهم في مخيمات ينقصها كثير من الخدمات، دعك من مصادرة آمالهم بمستقبل أفضل.
هذه صورة مختزلة جدا لأحوال الروهينجيا المسلمين، تلك العرقية التي سكنت ولاية أركان في غرب ميانمار (بورما سابقا) منذ 300 عام، وتعرضت للاضطهاد والتهجير النسبي منذ الانقلاب العسكري اليساري في بورما عام 1962، ثم تعرضت لما هو أسوأ بكثير على يد الزمرة العسكرية التي تولت السلطة في يانجون في الثمانينيات، حيث قامت الأخيرة بسن قانون يجردهم من المواطنة من بعد أن كانوا زمن الحكم البريطاني والحكم الديمقراطي القصير في مطلع الستينيات مواطنين لهم ممثلون في البرلمان ووزراء في الحكومة، وذلك بزعم أنهم مهاجرون مسلمون جاؤوا من بنجلادش المجاورة، ولم يدرجوا يوما بصفة رسمية ضمن الـ 130 عرقية التي تتكون منها الأمة الميانمارية.
لم يكتف جنرالات ميانمار بما سبق، بل هيجوا شعوبهم وجنودهم ضد الروهينجيا على أساس عرقي/ ديني، وهو ما أدى إلى مذابح وعمليات تهجير وتمييز واضطهاد واغتصاب عنيفة بحقهم، فضلا عن تدمير ممتلكاتهم ومساجدهم والاستيلاء على أراضيهم وفرض قيود على حركتهم واستخدامهم كعمال سخرة في معسكرات الجيش.
كل هذا وغيره كثير تسبب في بروز قضية الروهينجيا على مستوى العالم كواحدة من القضايا الإنسانية الأكثر صدى بحكم أن أصحابها هم أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، خصوصا مع هروب مئات الآلاف منهم إلى دول الجوار الآسيوية كلاجئين معدمين ومجردين من كامل حقوقهم وممتلكاتهم.
والمعروف أن دولا مثل المملكة وبنجلادش والهند وباكستان والنيبال وتايلاند استقبلت أعدادا كبيرة من هؤلاء من منطلق إنساني واستجابة لنداءات الأمم المتحدة، وهيأت لهم ظروفا معيشية مناسبة. وتعد ماليزيا - إلى جانب إندونيسيا - إحدى أقل الدول الآسيوية استقبالا لهم، حيث اكتفت إندونيسيا بقبول نحو 11 ألف لاجئ فقط بسبب إمكاناتها الاقتصادية، بينما احتضنت ماليزيا نحو 40 ألف لاجئ فقط، مع السماح لأعداد منهم بالتقاط أرزاقهم من خلال العمل في مهن محدودة كحال عدة ملايين من الآسيويين الذين يعيشون في البلاد كخدم وعمال بناء وتنظيف بأجور متدنية.
أخيرا برز على السطح ما يمكن تسميته بقضية الروهينجيا في ماليزيا، وذلك على خلفية قرار كوالالمبور بترحيل أكثر من ألف لاجئ روهانجي إلى ميانمار على ظهر ثلاث سفن من سفن البحرية الماليزية، وهو ما جعل مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وعددا من الدول الأوروبية تنتقد الخطوة الماليزية، خصوصا أنها جاءت بعد بضعة أسابيع من عودة العسكر القمعيين إلى السلطة في ميانمار من خلال انقلابهم المفاجئ في الأول من فبراير المنصرم. وهو الانقلاب الذي لم تنتقده كوالالمبور عملا بمبدأ عدم التدخل في شؤون شريكاتها في رابطة أمم جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارا باسم "آسيان".
وهكذا يمكن القول: إن الاعتراض ليس على القرار كونه حقا سياديا للدولة المستضيفة، وإنما على التوقيت خوفا من تعرضهم للخطر على أيدي السلطات الجديدة في يانجون، وجاء الاعتراض أيضا على المبرر الذي ساقته كوالالمبور وهو مبرر غير مقنع اشتمل على جزئيتين أولاهما أن المرحلين اختاروا العودة إلى ميانمار بكامل حريتهم، وثانيتهما أن التأشيرات الممنوحة لهم للبقاء انقضت مدتها وأن ما فعلته السلطات بحقهم ليس سوى مراجعة دورية لأعداد وأوضاع الآسيويين المقيمين في البلاد بصفة عامة (رحلت السلطات الماليزية نحو 37 ألف أجنبي من أراضيها العام الماضي فقط تحت حجج مختلفة).
وبطبيعة الحال تعرضت كوالالمبور لموجة انتقادات من جهات محلية مثل الأحزاب الإسلامية ونشطاء حقوق الإنسان، خصوصا أن السلطات خالفت قرارا قضائيا بتجميد عملية طرد تلك المجموعة من الروهينجيا إلى حين الاستماع إلى دفوعات ممثليهم الذين أشاروا إلى أن ماليزيا بقرارها تخالف واجباتها الدولية تجاه بشر لجأوا إلى أراضيها وطلبوا الحماية خوفا من تعرضهم لعمليات الإبادة والتطهير العرقي في بلادهم. وكان الرد الرسمي على تحركات نشطاء حقوق الإنسان النادرة في ماليزيا في مثل هذه الأحوال، هو خلو قائمة المرحلين من أسماء طلبت اللجوء السياسي في ماليزيا أو من أسماء تطاردها حكومة يانجون، كأنما جنرالات ميانمار يطاردون أسماء معينة وليس شعبا بأكمله.

إنشرها