FINANCIAL TIMES

المملكة المتحدة .. المحافظون الجدد يفتقرون إلى أفكار اقتصادية جريئة

المملكة المتحدة .. المحافظون الجدد يفتقرون إلى أفكار اقتصادية جريئة

ريشي سوناك مع ميزانية 2021 التي قدمها إلى مجلس العموم البريطاني الأسبوع الماضي.

في استجابته لأزمة فيروس كورونا - 19 أظهر ريشي سوناك، وزير المالية في المملكة المتحدة، أنه مرن وواقعي. الميزانية الحالية تعزز هذا الانطباع. لكنها تخبرنا بأربعة أشياء أكثر أهمية. الأول، أن الوباء سيترك إرثا سيئا طويل الأمد. شيء آخر هو أن سوناك يريد التمسك بعباءة الرصانة المالية. ثالثا، أن هذه الحكومة تتخلى الآن عن الأفكار الاقتصادية التي تمسكت بها لفترة طويلة. الأخير هو أن الحكومة ليس لديها استراتيجية نمو. قد يصف المرء هذا بأنه نزعة واقعية قديمة الطراز من المحافظين. قد تكون التسمية البديلة هي الانهزامية.
كما هو متوقع، على الرغم من نجاح طرح اللقاح، كان على سوناك تمديد الدعم المكلف للاقتصاد. إذا شعرت الحكومة بأنها مضطرة لإجبار الناس على البقاء في المنزل وإغلاق الشركات، فعليها تعويضهم. وبالتالي، سيتم تمديد مخطط الإجازات حتى أيلول (سبتمبر)، وكذلك دعم العاملين لحسابهم الخاص. كما سيستمر رفع الائتمان الشامل البالغ 20 جنيها في الأسبوع لمدة ستة أشهر أخرى. إجمالا، رفع سوناك الدعم المتعلق بالوباء للأسر والشركات والخدمات العامة بمبلغ إضافي 44.3 مليار جنيه، وبذلك ارتفعت تكلفته إلى 344 مليار جنيه، 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
بشكل عام، الوباء هو بالتأكيد من بين الصدمات الأكثر تدميرا التي تعرضت لها المملكة المتحدة في وقت السلم. الخسائر البشرية هي الأكثر مأساوية. لكن التكلفة الاقتصادية هائلة أيضا. في 2020، تقلصت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 10.4 في المائة، وهي الأكبر منذ 300 عام. ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية أن يصل صافي اقتراض القطاع العام إلى 16.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020-2021، وهو مستوى لم يسبق له مثيل في وقت السلم. ومن المتوقع أن يظل مع ذلك 10.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021-2022.
لسوء الحظ، على الرغم من النظرة المستقبلية الأفضل إلى حد ما مما كان متوقعا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لا يزال من المتوقع أن تكون الصدمة الاقتصادية ليست عميقة فحسب، وهو ما كنا نعرفه، بل دائمة أيضا، وهو ما كنا نخشاه. بالتالي، يفترض مكتب مسؤولية الميزانية أن الجائحة ستقلل الناتج 3 في المائة مقارنة بمسار ما قبل الجائحة في المدى المتوسط. للأسف، كان مسار التنبؤ السابق للوباء سيئا بالفعل. باختصار، بعد 4 في المائة في 2021 و7.3 في المائة في 2022، من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي إلى 1.6-1.7 في المائة سنويا.
كان من المتوقع أن تؤدي الخسارة الدائمة في الناتج إلى فجوة دائمة في المالية العامة. لكن، من ناحية، يظل سوناك وزير مالية من حزب المحافظين. وهو يصر على العودة إلى الرصانة المالية. ومن المتوقع أن تؤدي الإجراءات التي يقترحها إلى احتواء القفزة الناجمة عن الوباء في صافي ديون القطاع العام إلى ما لا يزيد على 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين 2019-2020 و2023-2024. ومن المتوقع بعد ذلك أن تنخفض نسبة الدين من 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023-2024 إلى 104 في المائة في 2025-2026. ومن المتوقع أيضا أن تنخفض الفجوة بين المقبوضات الجارية والنفقات المدارة إلى 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025-2026. في تلك المرحلة، ستقترض الحكومة مرة أخرى من أجل الاستثمار فقط.
لتحقيق ذلك، من المتوقع أن تصل الضرائب إلى 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2025-2026، وهو أعلى مستوى منذ أواخر الستينيات، عندما كان روي جنكينز وزيرا للمالية. آخر مرة وصلت فيها نسبة الضريبة إلى مستوى أعلى بكثير من هذه النسبة كانت بعد الحرب العالمية الثانية. هذا هو أحد الجوانب الرئيسة التي تختلف فيها هذه الحكومة بالتأكيد عن سابقاتها. حقق جورج أوزبورن تقريبا كل عمليات الضبط المالي بعد الأزمة المالية من خلال خفض الإنفاق. هذه المرة، سترتفع الضرائب بدلا من ذلك. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الأمر لا يتعلق بأي ضرائب فحسب، بل الضرائب على الشركات هي التي ستقفز. الارتفاع في المعدل الرئيس لضريبة الشركات من 19 إلى 25 في المائة هو انعكاس ملحوظ لتخفيضات أوزبورن من 28 إلى 19 في المائة. والأكثر إثارة للدهشة، أن هذه هي أول زيادة في المعدل الرئيس منذ 1974. ومن المتوقع أن تؤدي التغييرات إلى جمع 17 مليار جنيه (نحو 0.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وهو الجزء الأكبر من زيادة الإيرادات التي خطط لها سوناك. السعي وراء الدمج بهذه الطريقة هو انعكاس مذهل لسياسة حزب المحافظين المعتادة.
من الناحية السياسية، تبدو الحزمة بارعة. جماعات الضغط من أجل خفض الإنفاق العام وخفض الضرائب على الشركات هي بالكاد قوية الآن. لكن السؤال هو ما إذا كانت الاستراتيجية كافية لمواجهة التحديات الضخمة التي تواجه بريطانيا بعد بريكست وما بعد الوباء. أخشى أن الإجابة هي أنها ليست كذلك.
على المدى القصير، الحافز الرئيس للانتعاش، بصرف النظر عن حزمة الدعم نفسها، هو "العلاوة الفائقة" المؤقتة لمدة عامين التي تبلغ 130 في المائة للإنفاق الرأسمالي. على الأكثر، سيؤدي هذا إلى دفع الاستثمار إلى الأمام. لكن الأسوأ من ذلك، على المدى الطويل، كما يقول مكتب مسؤولية الميزانية: "الزيادة في معدل ضريبة الشركات ستؤدي إلى زيادة تكلفة رأس المال، وخفض مخزون رأس المال المرغوب، واستثمار الشركات على المدى المتوسط". كان من الممكن أن يكون الترتيب الأفضل هو رفع معدل الضريبة ومخصصات رأس المال بشكل دائم. لكن ذلك لم يكن ليؤدي إلى زيادة الإيرادات التي يسعى إليها وزير المالية.
هناك شك واضح فيما إذا كان الانتعاش سيكون قويا بما يكفي لتقليل الندوب طويلة المدى إلى مستوى أدنى مما يتوقعه مكتب مسؤولية الميزانية الآن. لكن الأهم من ذلك بكثير هو من أين سيأتي النمو في المستقبل. هناك عدد من اللفتات في اتجاه "الذهاب نحو مستوى أعلى". لكن لا يبدو أي منها كبيرا بما يكفي لتغيير الصورة العامة، في دولة بها فجوات هائلة في الإنتاجية الإقليمية، وأداء إنتاجي ضعيف، ومعدلات استثمار منخفضة. أي بنك للبنية التحتية في المملكة المتحدة برأسمال 12 مليار جنيه لن تكون له أهمية كبيرة. أين الطموح للاستثمار؟ أين هي خطة السياسة البيئية؟ أين هي مناقشة تسعير الكربون؟
بعد الاستجابة الهائلة للوباء غابت الرؤية طويلة المدى اللازمة لدولة تواجه مستقبلا غير مؤكد. إذا كان الابتكار الكبير هو ضريبة كبيرة بشكل غير متوقع على الشركات، فما هي خطة النمو الاقتصادي؟ هؤلاء ليسوا هم المحافظون القدامى. لكنهم المحافظون الجدد، للأسف، يفتقرون إلى الأفكار الجريئة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES