التكيف مع التحول الرقمي

التحول الرقمي مصطلح عرف على نطاق واسع يجمع بين التغيير والانتقال وبين التقنية الرقمية وتفاصيلها. أصبح التحول الرقمي حديث الشركات والمؤسسات والمختصين، وانضمت الحكومات بثقلها أيضا لمواكبة هذا التحول (بمستويات مختلفة) بتشريع السياسات والأنظمة التي تتكيف مع هذا التغيير. برامج تدريبية وأكاديمية صممت كذلك لتستوعب هذا التغيير وتهيئ الخريجين والمتدربين لطوفان التحول الرقمي. استثمارات كبيرة ضخت في المؤسسات والشركات للاستفادة من التحول ولتبني حلول رقمية في أعمالها وخدماتها. وما زال الأثر والتأثير مستمرا وبشكل كبير إثر هذا التحول وتبعاته التي تشكل في مجملها ثورة رقمية وليس تحولا. إن الثورة الصناعية التي ظهرت في القرن الـ 18 الميلادي وكانت بداياتها في أوروبا أثرت بشكل كبير في الإنتاج والاقتصاد، لكن كانت نسبية التأثير في الحياة الاجتماعية. على النقيض من ذلك، باتت سمة التحول الرقمي هي التغيير والتغيير فقط على جميع الأصعدة. إن التأثير الحالي أخذ شكلا متعديا ليشمل جوانب عدة بدءا من بيئة العمل ومخرجات وسير الأعمال ومرورا بالآثار الاقتصادية، وليست الحياة الاجتماعية بمنأى عن ذلك التغيير كأحد انعكاسات هذا التحول.
فلو تناولنا الوضع الراهن في المؤسسات والشركات، نجد الفوارق المعرفية في أساسيات التقنيات الرقمية كبيرة نسبيا بين من نشأ وترعرع في أحضان التقنية، وبين من أدرك هذا التغير في منتصف أو أواخر حياته المهنية. إذا كيف لقادة الشركات والمؤسسات التوفيق بين تلك الشريحتين المختلفتين وتعظيم الاستفادة من نتائج التحول الرقمي؟ أيضا ما جاهزية المديرين والقادة وطريقة تفاعلهم مع هذا التحول؟ لذلك يقع حمل على عاتق المديرين والقادة التنفيذيين للتكيف مع التحول الرقمي والإلمام بأبجديات هذا التحول. لو افترضنا على سبيل المثال أن مؤسسة خدمية ستطلق منصة رقمية لتقديم خدمات لعملائها الحاليين أو لاستهداف شرائج جديدة، فمن الضروري إلمام التنفيذين في هذه المؤسسة بالأساسيات التقنية لتلك المنصة وآلية تنفيذها ومفاهيم أخرى كتجربة خدمة العملاء. إن معرفة المديرين بتلك الأساسيات ستمكنهم من التفاوض مع منفذي المشاريع واختيار المقاييس المتوافقة مع احتياجاتهم، أو بعبارة أخرى معرفتهم بمهارات أطلق عليها مسمى "التفاوض الرقمي". جانب آخر يتعين على المديرين الاعتناء به هو توفير البيئة المناسبة لهذا التحول في مكان العمل كالوسائل والأدوات الرقمية، وتمكين الجيل الناشئ وتطوير مهاراته التقنية بجانب تعزيز القيم المرتبطة بالبيانات ومشاركتها والإفصاح عنها.
جانب آخر يسترعي الانتباه ألا وهو الجانب الاجتماعي الذي تأثر كثيرا بتبعات هذا التحول ولا يزال. إن وجود التقنية والخدمات الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الرقمي التي زاد حضورها في مناحي الحياة بشكل لافت، أسهمت من جانب في تسهيل وتيسير حياة الناس، لكن من جانب آخر عمقت الفجوة بين الناس وزادت من عزلة وضعف الروابط الاجتماعية، إضافة إلى صعوبة الانفكاك عنها في أغلب الأحيان. إن الاتزان في التعاطي مع تبعات التحول الرقمي والتكيف معه بما لا يشكل خطرا على الأفراد والمجتمع أضحى أمرا ملحا. باعتقادي من الضروري إعطاء أنفسنا فرصة للابتعاد قليلا وعمل "ديتوكس" رقمي للتخفيف من أعباء هذا التحول على الجانب الاجتماعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي