كيف نبتكر؟
في مقال سابق تناولت العلاقة بين الابتكار والتنمية، وأهمية ذلك في نمو الاقتصاد الكلي وإيجاد ميزة تنافسية للدول. لكن حتى يتحقق الابتكار بشكل جمعي، من الأهمية بمكان تسليط الضوء على العنصر الأول والفاعل في حلقة الابتكار ألا وهو العنصر البشري. فمجمل الابتكارات تقوم في الأساس على الأفراد أو فرق العمل المعينة لهذا الغرض. وقد يطرح سؤال مشروع، كيف لي أن أكون مبتكرا فأبدع في إيجاد منتج أو حل مشكلة مزمنة؟ وهل الابتكار ينحصر في أشخاص يتمتعون بقدرات خارقة أو مستويات ذكاء عالية؟ الجواب المختصر: ليس بالضرورة. تشير دراسات عدة إلى تقاسم المبتكرين سمات أو صفات محددة ممكنة لهم من الابتكار والإبداع بمستويات عالية. وسأقتصر هنا على سمتين أساسيتين يتشارك فيها المبتكرون. القدرة على إنشاء شبكة علاقات واسعة وفي مجالات مختلفة، قد تكون بعيدة كل البعد عن محيطهم القريب أو مجال عملهم، تلك هي السمة الأولى. إن مشاركتك أشخاصا آخرين لا يشاركونك الاهتمامات والهوايات نفسها، أو يأتون من خلفيات دراسية مختلفة أو خبرات عملية مغايرة يساعد على زيادة الإدراك الشخصي وكذلك من مستوى الذكاء العاطفي. فمؤسس "أبل"، ستيف جوبز كان مبدعا في نسج أفكاره الخلاقة والمتنوعة، التي قطعا قد استفاد في توليدها من التنوع الثقافي والمعرفي الذي حظي به من شبكته متعددة المشارب والاتجاهات. فحضوره لمقررين دراسيين في الفن والرسم ألهماه كثيرا في تصميم وشكل حاسوب "أبل" العصري. السمة الثانية للمبتكرين هي التجريب. نعم يتشارك المبتكرون بمستويات عالية من المحاولات والتجارب وتصحيح الأخطاء وإعادة الكرة مرة بعد أخرى، لكن مع المحافظة على الحد الأدنى من الخسائر والأخطاء ما أمكن، وتقليل مدة التجريب والتصحيح إلى أقصى قدر ممكن. وأشهر مثال على تلك السمة، المصباح الكهربائي ومخترعه الأمريكي توماس أديسون الذي كرر التجريب والتصحيح لما يقارب عشرة آلاف مرة لصنع مصباحه الكهربائي. ولأهمية هذه الخاصية في الابتكار، أورد قصة لشركة ربرميد Rubbermaid الأمريكية التي أخذت شهرتها ابتداء من تصنيع الأواني المطاطية ذات الجودة العالية. للشركة عدة شركات فرعية تنتج منتجات مختلفة وتنافس على إنتاج منتجات مبتكرة وإطلاقها في الأسواق قبل لحاق المنافسين بهم. فكان من ضمن الاستراتيجيات المتبعة لدى فرق التطوير لدى الشركة، تصنيع نماذج لمنتجات جديدة بقوالب رخيصة نسبيا مصنوعة من الخشب أو رغوة الـ steryfoam واختبار ملاءمة المنتجات للإنتاج التجاري. حيث يصل عدد توليد الأفكار لمنتجات ابتكارية إلى 300 منتج في الاجتماع نصف السنوي، فقط 20 منتجا يقع عليها الاختيار للتجريب والتصنيع. ومن أصل الـ 20 منتجا، ثلاثة منتجات تعتمد للتصنيع النهائي ومن ثم التسويق التجاري. وقد حافظت الشركة على نموها بشكل ملحوظ معتمدة على مواصلة البحث والابتكار في تطوير منتجاتها والتقدم بخطوات أمام منافسيها. إن هاتين السمتين، إقامة شبكة من العلاقات الواسعة والمتنوعة وفلسفة التجريب السريع وغير المكلف، مهمتان في توليد أفكار إبداعية وصنع منتجات أو خدمات ابتكارية. وفي مقال آخر سنتناول - بإذن الله - سمات أخرى للابتكار على المستوى الشخصي.