Author

«بيتكوين» .. معادلة غامضة 

|

 
هوت عملة بيتكوين 17 في المائة خلال التعاملات الأخيرة وذلك من المستوى القياسي المرتفع البالغ 58 ألفا و354 دولارا، ورغم هذا الهبوط الحاد فإن بيتكوين ما زالت مرتفعة بنحو 60 في المائة منذ بداية العام، كما نزل سعر "إيثر"، ثاني أكبر العملات المشفرة في العالم من حيث القيمة السوقية، ما يزيد على 17 في المائة، ومن هذا التذبذب تطرح الأسئلة المهمة عن ماهية عملة بيتكوين وحركتها السوقية، بل ماهية العملات الرقمية جميعها. من غير المقبول عمليا أن تتذبذب عملة بهذا الشكل الحاد جدا، فهذا لا يمنح الأسواق فرصة للتقييم العادل للسلع ولا يمنح بيتكوين ولا العملات الرقمية الأخرى فرصة لأن تكون وحدة للقياس، ذلك أن هذا التقلب الحاد يجعل من الصعب القيام بعمليات المقايضة دون حدوث خسائر فادحة جدا ولا يمكن تعويضها، فالأصل في العملات هو الثبات في القياس. وهذا يبدو غير متحقق فيما يسمى العملات الرقمية، لكن يجب ألا ننكر أن هذه العملات قد اكتسبت ثقة كبيرة بين المتداولين والدليل على ذلك هو الارتفاع الكبير في أسعارها مقابل الدولار، حيث ارتفعت من أقل من دولار واحد في أوائل ظهورها مع بداية العقد وصولا إلى هذه الأسعار القياسية الآن، وهذا التدفق من الأموال الساخنة لهذه العملات دليل على أنها مقبولة بين المستثمرين بشكل عام. كما أن الإقبال عليها يتزايد من قبل كبار مديري الثروات والشركات ومن ذلك شركة صناعة السيارات الكهربائية "تسلا" التي استثمرت بقيمة 1.5 مليار دولار في رفع عملة بيتكوين وهو دفع بسعرها فوق 50 ألف دولار. ومع الهبوط الأخير فإن أسهم شركة تسلا تأثرت، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول قدرة هذه العملات الرقمية على التأثير في حركة الاقتصاد الحقيقي. من المهم في هذا الشأن الإشارة إلى تصريحات جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، حول بيتكوين، حيث قالت إنها: "غير ذات جدوى أو منفعة على الإطلاق"، وحذرت منها، لكن يجب أن يقرأ هذا التحذير بعناية فقد ربطت الوزيرة بين فعالية بيتكوين وبين دورها كعملة لإتمام المعاملات بين الأفراد، حيث أشارت إلى أن: "بيتكوين غير فعالة في إتمام المعاملات بين الأفراد". لكن هذا التحذير لا يمكنه الصمود أمام قوة الأسواق التي ترى في بيتكوين ونظيراتها من العملات الرقمية وسيلة لتحقيق ثروة، ولهذا فإنه يجب فهم بيتكوين وفقا للأسواق كأصل رأسمالي مثلها في ذلك مثل أسهم شركات النمو، وليس النظر إليها كعملة على الحقيقة، وهذا تحول مهم ودقيق في رؤية العالم لهذه العملات، خاصة أنها تعتمد على ما يسمى التعدين. وقد صرح موقع بيتكوين بأن ما سيتم إنتاجه من هذه العملة هو 21 مليون بيتكوين فقط، فهي بذلك تشبه الأسهم في العدد على أنه يمكن تجزئة هذا العدد إلى أجزاء متناهية في الصغر حسب قواعد الحاسب الآلي، لكن على كل حال فهي في العدد تشبه الأسهم حتى في فكرة التجزئة، وليست عملة على نحو جدي، وهذا التحول في المفهوم سيغير قواعد اللعبة تماما. فالحصول على بيتكوين من أجل التعاملات والتبادل التجاري عمل يكتنفه الكثير من الخطورة، خاصة أن إتمام عملية تحويل بيتكوين لا يقل عن عشر دقائق، وهي مدة كافية جدا لتقلبات الأسواق العالمية. وكما يقول أحد مؤسسي هذه المنصات إنه من الصعب فعلا توقع حجم التراجع أو متى يقع، والمسألة تعتمد على قاعدة اقتصادية قديمة وهي أن الأسعار قد تهبط إلى مستويات حفز الطلب فعليا، وأنه غير قلق أبدا من انخفاض العملة من مستويات 50 ألف دولار لأنها قد تصل إلى مستوى يحفز الطلب للعودة إلى 50 ألف دولار، لكن هذا التصور ليس مناسبا لعملة بقدر ما هو مناسب لسلعة أو أصل رأسمالي. ولهذا فإن جميع البنوك المركزية تقريبا تحذر من التعامل مع بيتكوين كعملة، كما أنها تحذر من استخدامها نظرا لتقلباتها الشديدة، وأنها قد تكون وسيلة لتنفيذ عمليات غير شرعية وغسل الأموال، فالتعامل مع هذا النوع من الاستثمارات قد يحفز العمليات المحرمة ويحقق لها منفذا للدخول للأسواق. لكن الانتقاد الأكبر اليوم الذي يواجه عملة بيتكوين خصوصا هو أن الحفاظ على شبكة بيتكوين فعالة يحتاج إلى بقاء جميع البرامج المعتمدة على نقاط الشبكة الكاملة لتحقيق المزامنة المطلوبة لعملية التحميل والتحقق من كل المعاملات وهذا يتسبب في أن تكون هذه الشبكة مستهلكة للموارد بشكل كبير وتتطلب مساحة تخزين وحزمة نقل بيانات "bandwidth" كافية كي تتناسب مع الحجم الكامل لسلسلة البلوكات. وطبقا لوزيرة الخزانة الأمريكية فإن بيتكوين تتطلب حل معادلات حسابية شديدة التعقيد باستخدام معدات حاسوب شديدة القوة، وتستهلك كمية كبيرة من الكهرباء، التي تترك أثرا كربونيا يعادل ما تنتجه نيوزيلندا كاملة، ولهذا فإن إنتاج وحدات بيتكوين هذه بدأ يشكل مشكلة بيئية قد تكون أشد تعقيدا.

إنشرها