Author

أرباح قوية ومسؤولية ضعيفة 

|

تشير التقارير إلى أن المصارف المدرجة في السوق السعودية سجلت نموا في صافي أرباحها المجمعة خلال 2019، بلغت نسبته 40.9 في المائة مقارنة بـ2018، حيث بلغ صافي أرباح المصارف المدرجة في السوق السعودية خلال العام الماضي نحو 45.11 مليار ريال، مقابل نحو 32 مليار ريال للعام السابق له. ويأتي هذا النمو الكبير بسبب تسوية قامت بها المصارف مع الهيئة العامة للزكاة والدخل في الربع الأخير من 2018، لسداد المطالبات الزكوية لعدد من الأعوام، ما أثر في ربحية قطاع البنوك خلال ذلك العام.

ولا شك أن هذا النمو الكبير بكل المقاييس، ومع التسويات الضخمة التي تحققت للبنوك لسداد التزامات عامة يجعل الأسئلة تتزايد حول المشاركة الاجتماعية الفعلية للبنوك السعودية، ودور وظيفة المسؤولية الاجتماعية فيها، فما يتم الإفصاح عنه في التقارير المالية لهذه البنوك لا يشفع لها أمام المجتمع. وعلى الرغم من عدم وجود تعريف شامل مانع للمسؤولية الاجتماعية للشركات وعدم وجود مجموعة ضابطة من المعايير المقبولة عالميا، لكن التحول المهم الذي تبناه البنك الدولي نحو مفهوم إدارة المخاطر الاجتماعية Social Risk Management، وهو تحول لافت في فكر ونموذج الحماية الاجتماعية قائم على بناء استراتيجيات لمساعدة الأسر على توقع هذه الصدمات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية والتأمين ضدها وإعادة التفكير في تصميم وتنفيذ التدخلات الحكومية العامة التقليدية، مثل سوق العمل، والتأمين الاجتماعي، وسياسات المساعدة الاجتماعية.

ويؤكد تقرير للبنك الدولي أن شبكة الأمان غير الرسمية تنهار في الأغلب وذلك في أعقاب صدمة اقتصادية سلبية كبيرة، وفي الأغلب ما تكون خطط الدعم العامة إذا كانت متوافرة، غير مناسبة أو غير كافية، كما أنه من الصعوبة بمكان إنشاء مخططات جديدة للدعم والحماية الاجتماعية أثناء حدوث الأزمات العميقة والطويلة الأمد. ويشير التقرير إلى أنه من الضروري توفير منهج مسبق لتقييم المخاطر المحتملة وإعداد تدابير الحماية الاجتماعية، ولا سيما شبكات الأمان الاجتماعي، قبل حدوث صدمة كبيرة.

ولقد أثبتت جائحة كورونا أن هناك حاجة إلى مثل هذه الإدارة للمخاطر الاجتماعية حتى مع وجود حكومة تتمتع بكفاءة عالية وتهتم بالتنمية والمجتمع. فقد اضطرت الحكومة السعودية لمواجهة أزمة انتشار كورونا إلى تفعيل دعم حكومي واسع النطاق لحماية الوظائف والأسر الأقل دخلا، لكن استمرار الجائحة لفترة أطول مما كان متوقعا يطرح التساؤلات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات خاصة البنوك منها، ودورها في إدارة المخاطر الاجتماعية.

ولا شك أن اهتمام الحكومة السعودية بالقطاع المصرفي مشهود له، وهو يتمتع بمستويات عالية من الأمان، مع توجهات المملكة في ظل "رؤية 2030"، إلى تحقيق أعلى مستوى من الشمول المالي، ومع ذلك فإن المجتمع لم يزل غير مقتنع بالمشاركة المجتمعية للبنوك، ودورها في دعم خطط المملكة وتحقيق أعلى معايير جودة الحياة. والقراءة السريعة للمشاركة المجتمعية للبنوك السعودية تؤكد أنها أقل بكثير من المستوى المنشود، وأنها غير مدروسة وفق منهجية عملية تحقق للمجتمع إدارة حقيقية للمخاطر الاجتماعية، هي في مجملها لا تتعدى تقديم بعض الدعم البسيط في مجالات محدودة هدفها الأول تسويقي، ولا تخرج في أكثرها من باب المجاملة.

إلى جانب دعم بعض المؤتمرات والأحداث، والإفصاح في هذا المسار ضعيف إلى حد مقلق، وهو لا يتجاوز وضع رؤية البنك واعترافه بالمسؤولية الاجتماعية، وبعض الخطوط العريضة جدا حول هذا المفهوم دون إبراز شكل لتلك الجهود التي بذلها البنك في شأن تحقيق تلك المسؤولية على أرض الواقع، في وقت تعمل فيه الحكومة وحدها لمقابلة متطلبات اجتماعية وتحديات ضخمة في دعم المنشآت الصغيرة ودعم الأسر المنتجة والإسكان الخيري والتوظيف.

السؤال المهم في هذا الجانب يكمن في: متى نرى دعم البنوك لمشاريع كبيرة، مدارس، مراكز طبية، منازل للمستحقين، وتمويل أبحاث علمية وطبية؟ وأيضا متى نرى مثل هذه المشاريع مدعومة من قبل البنوك في مختلف مناطق ومحافظات المملكة؟ وقد أكدت الدراسات العلمية أن هناك تأثيرا ماليا إيجابيا للمسؤولية الاجتماعية في أنشطة البنوك، وذلك في الدول التي يكون فيها التوجه نحو حماية أصحاب المصلحة، ولا يبدو الحال مختلفا مع البنوك الخليجية والعربية التي تحتاج إلى جهود أكبر في مواجهة المخاطر الاجتماعية، فدور البنوك محوري حتى بالنسبة إلى تلك الدول العربية التي تعتمد بشكل أكبر على التحويلات التي تتدفق إليها من العمال الذين يعملون في الخارج، والانتقادات واسعة بشأن مستويات الإفصاح المؤسسية عن الإسهامات الفعلية وحجمها المقيس بالعملة المحلية.

فلا تكفي الإشارة إلى رؤية البنك والحديث عن اهتمام الإدارة بالدور الاجتماعي للبنك، بل يجب أن يكون ذلك شفافا بشكل كاف، فالدول العربية عموما تعتمد في الحماية الاجتماعية على منظومة الدعم الحكومي فقط، وليست هناك خطط معلنة واضحة على المشاركة الفاعلة من القطاع المصرفي.

فالحاجة اليوم خاصة مع ازدياد حالة عدم اليقين الاقتصادية أن تعمل البنوك على خطط واضحة ومعلنة ومتفق عليها بشأن مشاركتها الاجتماعية، وأن تكون مبنية على دراسة للمخاطر الاجتماعية وأن تحدد بشكل صريح حجم مشاركتها ونسبة هذه المشاركة في درء مواجهة هذه المخاطر، وهذا ما يخفف الأعباء على الحكومة، والنجاح الذي يمكن تحقيقه في تفعيل نموذج المسؤولية الاجتماعية في القطاع المصرفي سيمكن حتما من توسع دائرة المشاركة لقطاعات اقتصادية أخرى لا تقل أهمية.

إنشرها