السيارات المتصلة وتقارب العلوم

في منظر مذهل وغير مألوف لمئات السيارات الكهربائية من شركة تسلا، مركونة في أحد المراكز اللوجستية التابعة للشركة تستقبل حزمة بيانات عبر الاتصال بالأقمار الصناعية لتحديث نظام البرمجيات الخاص بها. ومما زاد المنظر تألقا هو استقبالها لهذا التحديث البرمجي في آن واحد وبالتزامن مع وميض مصابيحها الأمامية والخلفية. هذا المشهد يقرب الصورة لمفهوم السيارات المتصلة connected cars بالإنترنت وكيف سيكون مستقبل هذه التقنية. تعد السيارات المتصلة بالإنترنت أحد أمثلة إنترنت الأشياء، ومن المتوقع أن تحدث نقلة نوعية ليس في صناعة السيارات فحسب، بل ستمتد إلى إحداث تغيير دراماتيكي في مبادئ عدة مثل: فلسفة تملك المركبة الخاصة والاستعاضة عنها بمبدأ السيارة التشاركية car sharing، وسرعة التحول للمدن الذكية وليس ببعيد، التغيير في التخطيط الحضري للمدن كالاستغناء عن مواقف السيارات أو الإشارات المرورية في حال جاهزية واعتماد المركبات ذاتية القيادة. إن السيارات المتصلة ليست وليدة الأعوام الأخيرة، بل برزت أول خدمة ربط السيارات عبر الأثير في بداية التسعينيات الميلادية عبر إطلاق خدمة المساعدة على الطريق في الولايات المتحدة. كما تطورت صناعة السيارات لتتسابق الشركات الكبرى في إضافة ميزات تنافسية كالاتصال لتعزيز مستوى السلامة من أبرزها أنظمة التحكم بالمكابح وأجهزة الرادار أو نظام تحذير مغادرة المسار. تلا ذلك ظهور أنظمة المساعدة على القيادة أو السيارة ذاتية القيادة لتأخذ التقنية بعدا أكثر تعقيدا لتغطي جوانب عدة لا تقتصر على الاتصال بالمقصورة الداخلية فحسب، بل تمتد لتشمل التفاعل والاتصال مع عناصر البيئة المحيطة، كالمركبات المجاورة أو مرور المشاة وأعمال الطرق. كذلك تنافست الشركات في خدمات المقصورة التي تندرج تحت قائمة الترفيه ووسائل الراحة، فأصبح بالإمكان التحكم في تشغيل وإطفاء المحرك عن بعد، وربط الهاتف الجوال بالنظام الصوتي للسيارة وإجراء المكالمات.
ولا يزال التطور التقني يجري على قدم وساق ليخدم منتجات وخدمات السيارات المتصلة التي تتطلب كما هائلا من التقنيات المعقدة والمتشابكة. فشركة وايمو Waymo، إحدى شركات "جوجل"، أطلقت عام 2019 سيارتها ذاتية القيادة دون تدخل بشري لتجوب شوارع مدينة فينيكس الأمريكية بأسطول يقارب 600 مركبة، وبدأت بالفعل تقديم خدماتها للعموم. ولك أن تتخيل عدد التكامل والتناغم بين التقنيات المجهزة في السيارة المتصلة وتحديدا السيارة ذاتية القيادة، كتقنيات أنظمة الرادار والتصوير والتصوير بالأشعة تحت الحمراء، وكذلك الاتصال اللاسلكي، والمجسات الإلكترونية. ثم تلتقي تلك التقنيات مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة ليصبح التفاعل مع محيط المركبة أو داخلها أكثر حضورا. ومن المتوقع أن تتجاوز خدمات السيارات المتصلة، بفضل توظيف هذا الكم الهائل من التقنيات، حدود المركبة لتتواصل على سبيل المثال مع مزودي خدمات المركبات أو وكلاء السيارات لتنظيم أو طلب عمليات الصيانة الدورية أو طلب المساعدة على الطريق بشكل آلي. من الخدمات المطروحة أيضا للنقاش وما زالت هاجسا بسبب خصوصية البيانات، مشاركة بيانات قيادة المركبة وسلوك سائقها مع شركات التأمين لتحديد بوليصة التأمين وحجم التغطية. كما أن الخدمات اللوجستية وإدارة أساطيل المركبات ستستفيد قطعا من التطور اللافت للسيارات المتصلة. وكما استطاعت تقنيات الاتصال والإنترنت عموما في جعل هذا العالم يبدو كأنه قرية صغيرة، ستسهم ثورة المعلومات والاتصالات في المستقبل القريب في تقارب والتقاء العلوم في مكان واحد أكثر من ذي قبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي