Author

ضغوط وأزمات وأعمق انكماش 

|

 
النمو القوي الذي حققه الاقتصاد البريطاني في منتصف العام الماضي، كان مفهوما، ففي تلك الفترة حققت أغلبية الاقتصادات حول العالم نموا كبيرا، بعد أن خفت وطأة جائحة فيروس "كوفيد - 19"، وفي أعقاب قيام الحكومات برفع الحظر المفروض على الحراك الاقتصادي بشكل عام. لكن سرعان ما امتصت الموجة الثانية من هذا الفيروس النمو المشار إليه، ولا سيما مع اضطرار الحكومات إلى إعادة الإغلاق الكامل أو شبه الإغلاق، في محاولة للسيطرة على هذا الوباء القاتل. فالأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة تتفاوت في ضغوطها وقوتها من دولة لأخرى، لكن لا أحد كان محصنا منها، خصوصا مع تأخر طرح اللقاحات ضد الفيروس، ومع الفوضى العالمية التي سادت الساحة منذ الربع الأول من العام الماضي، ما كرس حالة عدم اليقين في الإجمال. الاقتصاد البريطاني كان ولا يزال من أكثر الاقتصادات تضررا من جراء الأزمة الراهنة، فهذا الاقتصاد دخل في ركود وصفه ريتشي سوناك وزير المالية في بريطانيا بأنه الأعمق منذ أكثر من 100 عام على الأقل. كما اعترف بأن الأزمة التي تواجهها بلاده هي الأقوى منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، الحكومة مضطرة إلى تمديد برامج الإنقاذ قدر المستطاع للحفاظ على المكتسبات الاقتصادية في البلاد، فضلا عن الضغوط الهائلة التي أضرت بهيئة الرعاية الصحية الحكومية، والتي تسببت في وضع بريطانيا في المركز الأول في القارة الأوروبية من حيث عدد الوفيات والإصابات في فيروس "كوفيد - 19". فالمملكة المتحدة تواجه أزمة صحية واجتماعية واقتصادية خطيرة، أدت إلى انكماش الاقتصاد فيها 9.9 في المائة. وهذه النسبة هي الأعلى مقارنة بمثيلاتها في الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي. هناك توقعات بأن تخف وطأة هذا الانكماش في الأشهر القليلة المقبلة، خصوصا إذا ما تمكنت السلطات المختصة من توسيع دائرة التطعيم ضد الفيروس، لكن لا توجد ضمانات قوية بأن الاقتصاد البريطاني سيتعافى قبل نهاية العام الجاري. فكل التوقعات تشير إلى أن التعافي لن يتم قبل نهاية العام المقبل، وهذا أمر تخشى الحكومة منه، ولا سيما مع إعلانها أنها تفكر في تقليص وحتى إلغاء برنامج الإنقاذ الاقتصادي الذي اعتمدته منذ الأيام الأولى لتفشي وباء كورونا، بما في ذلك تسديد الرواتب للعاملين في القطاعين العام والخاص إلى مستوى 80 في المائة منها. المراهنة الآن تتركز على فصل الشتاء الحالي، بأن يشهد الاقتصاد البريطاني حركة ما، مع إشارات إلى إمكانية تحقيق قفزات متواضعة على الأقل، دون أن ننسى، أن أي نمو قد يحدث سيكون مرتبطا مباشرة بحزمة الإنقاذ التي طرحتها الحكومة، واضطرت إلى تمديدها لاحقا. ففي الفصل الرابع من العام الماضي سجل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي نموا بلغ 1.0 في المائة، وهو معدل بسيط جدا لا يمكن أن يقود إلى تعاف اقتصادي سريع أو حتى مضمون في الأشهر المقبلة، وكان السبب الرئيس لهذا النمو، تخفيف القيود من جانب الحكومة في فترة الأعياد أواخر العام الماضي. إلا أن الهم الأكبر يكمن أولا في مدى قدرة اقتصاد بريطانيا على تجاوز الانكماش الكبير الذي أصابه، وماهية المدة اللازمة لدخول مرحلة التعافي المأمول، خصوصا في ظل الضغوط الاقتصادية التي تركتها قضية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي نهائيا ابتداء من بداية العام الحالي. فالركود العميق الذي يضرب البلاد، لا يزال حاضرا على الساحة، والسيطرة النهائية على الوباء لا تزال بعيدة، ولا سيما في أعقاب اكتشاف سلالة جديدة من كورونا في الفترة الماضية أرجعت البلاد إلى فرض الاحترازات الصحية من جديد، وهذا الوضع تسبب في تعطيل الحركة التجارية وبالتالي يؤثر في بطء عملية النمو الاقتصادي.

إنشرها