التنمية والابتكار .. الحافز والأثر
بإلقاء نظرة سريعة على مقار شركات الأدوية المطورة والمصنعة للقاح كورونا المستجد كوفيد - 19 حاليا، نجد أنها تنحصر في ألمانيا وبريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة والصين. وبالنظر إلى مجموعة الدول الأكثر ابتكارا حسب تقرير مؤشر الابتكار العالمي 2020، فإن وجود هذه الدول ضمن هذه المجموعة لا تخطئه العين. إن السبب في إيراد هذا التمهيد، هو لفت انتباه القارئ لأهمية الابتكار، وأنه لم يعد خيارا بل ضرورة ملحة وأمرا حتميا في ظل التحديات العالمية، كالأوبئة والتغير المناخي وارتفاع مستويات البطالة وهواجس الركود الاقتصادي. لكن ما العلاقة بين التنمية والابتكار؟ وهل هناك تلازم بينهما؟ إن الدول القائدة للابتكار على المستوى العالمي، تتمتع بمعدلات تنمية عالية تقاس على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تلك الدول. ثمة استثناء لبعض الاقتصادات مثل الصين وماليزيا وبلغاريا التي يتحصل الفرد فيها على دخل متوسط رغم تحقيق مستويات ابتكار عالية. يمكن توصيف العلاقة بين التنمية والابتكار كعلاقة طردية وراجعة في الوقت نفسه. فكلما استثمر في محفزات وممكنات الابتكار، ازدادت مستويات التنمية واقتصادات الدول المستثمرة فيها. إلا أن المربع الأول والتقليدي الذي تنطلق منه بداية الابتكار يوجد في مراكز الأبحاث الجامعية والأكاديمية، حيث المحفز الرئيس على البحث والابتكار يعود غالبا للإنتاج العلمي والنشر الأكاديمي. لكن حتى تتحقق التنمية ويستمر الاقتصاد في النمو، لا بد من توسيع دائرة الابتكار وألا تبرح مكانها في الجامعات والمراكز البحثية. فعلى سبيل المثال، في اقتصادات الدول المتقدمة، يستأثر القطاع الخاص بنصيب الأسد من دعم برامج الابتكار الذي يسهم بشكل مباشر وغير مباشر في إحداث اقتصاد تنافسي معتمد على نقل المعرفة واستثمارها وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة. ورغم ضرورة الابتكار ومدى أهميته في التنمية، إلا أن عائده على الاستثمار يتطلب وقتا ليس بالقصير ومحفوفا بالمخاطر، مشكلا تحديا للاستثمار فيه. وكما أن هناك مثبطات، فعوائد الابتكار أيضا كبيرة ومغرية في حال تجاوزت عتبة التجربة وصعدت سلم النجاح، ولعل من أقرب الشواهد على ذلك، تحقيق شركات ابتكارية نشأت من الصفر معدلات نمو مضاعفة في أوقات قياسية متجاوزة سقف المليار دولار. إن إيجاد بيئة ابتكارية في الدول لن يساعد فقط على تحسين معدلات التنمية المحلية، بل سيكون عامل جذب وعنصر إغراء لتدفق الاستثمارات الأجنبية لتلك الدول. كما يجب أن ندرك أن الابتكار ليس مجرد أسماء تطلق على أقسام ومراكز خالية من مقومات الابتكار وثقافته، أو الاعتقاد بنجاعة حلول الابتكار قصيرة الأمد المفتقدة لعناصر الاستدامة والتتابع. إن الابتكار رحلة طويلة وشاقة، وطريق لا بد من وروده. مجملا، لإحداث تنمية مستدامة، فلا بد من تبني ثقافة الابتكار والعمل على تحقيق ركائزها وتحقيق عناصر ديمومتها في عالم يرزح تحت وطأة التحديات والمتغيرات. وكما يقال: إن الثابت الوحيد هو التغيير.