الاغتيالات تعود إلى لبنان .. والتوقيع ميليشيا حزب الله
مضت ستة أشهر على انفجار مرفأ بيروت، الذي قضى فيه 200 قتيل وآلاف الجرحى من اللبنانيين وغيرهم من المقيمين هناك، إضافة إلى تدمير وهدم أحياء كاملة، ليشهد لبنان أخيرا عودة فقرة جديدة من مسلسل الاغتيالات عقب اختفاء ومقتل لقمان سليم الناشط السياسي الشيعي المعروف بمواقفه المناهضة لميليشيا حزب الله وحركة أمل، وكذلك النفوذ الإيراني هناك، إذ فقد من بلدة صريفا ليوجد مقتولا بالرصاص بعد أيام في منطقة العدوسية جنوب لبنان.
تهدف عملية التصفية إلى ترهيب اللبنانيين، خصوصا الشيعة منهم، إضافة إلى توجيه رسالة إيرانية في توقيت مهم إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، للتغطية على ملفات متأزمة بشكل لافت في لبنان، أبرزها الاقتصادي، وتعطيل تشكيل الحكومة المكلفة، إضافة إلى ملفات الودائع المالية في المصرف المركزي، التي هربت إلى إيران لدعم اقتصادها على حساب أموال وودائع اللبنانيين.
شكل الناشط سليم مصدر إزعاج للحزب وإيران، من خلال العلاقات التي كانت تربطه بمسؤولين في الإدارة الأمريكية وكبار الشخصيات الأوروبية، بما يشير إلى أن شيعة لبنان ليسوا كلهم تحت جناحي الحزب، وأدوات للارتزاق الطائفي الممول لتدمير الأوطان لحساب جهات الشر الطائفي، خصوصا التابعة لإيران وعملائها في المنطقة، ليدين أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي اغتيال سليم، الناشط اللبناني، داعيا السلطات اللبنانية إلى محاسبة المسؤولين عن الجريمة. وكتب بلينكن في حسابه على "تويتر"، "إنه يوم حزين في لبنان، ونحن في حداد على اغتيال لقمان سليم الناشط البارز"، مضيفا "ندين هذا الاغتيال البشع وندعو المسؤولين اللبنانيين إلى محاسبة الضالعين".
سبق مقتل لقمان تجمع عشرات من مؤيدي حزب الله أمام منزله في منتصف الشهر الماضي في حارة حريك في الضاحية الجنوبية في بيروت، مرددين هتافات تخوينية وشتائم، بسبب مواقفه الرافضة لهيمنة الحزب وتغوله على الدولة اللبنانية، وعلى الرغم من أنه أصدر بيانا حمل فيه حسن نصر الله ونبيه بري صراحة، مسؤولية ما جرى من اعتداءات، مطالبا الأجهزة الأمنية بتوفير الحماية له ولعائلته، لكن دون جدوى، لتصير به الحال قتيلا، على غرار كثير ممن تمت تصفيتهم في عمليات اغتيال، منفذوها واضحون وضوح الشمس، لكن لا أحد يقوى على مصارحة الحزب بالحقيقة بسبب سيطرته على كل مفاصل الدولة اللبنانية.
تعيد عملية الاغتيال بحق الناشط لقمان، حادثة اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني، الذي قتل وسط بيروت في وضح النهار بتفجير إرهابي، لتصدر المحكمة الدولية أخيرا حكما يتهم المنفذ، دون الإشارة إلى الجهة التي تقف خلفه، ليستنسخ حزب الله طرق الجماعات الباطنية في الجريمة المنظمة، من خلال الاغتيالات والتصفيات الميدانية بناء على الاختلاف في وجهات النظر السياسية، منعا للانتقاد، وتكتيما للأفواه.
أصابع الاتهام توجهت إلى حزب الله مباشرة لأسباب عدة، أبرزها معارضة سليم له، وكذلك سجله الكبير في أعمال الاغتيالات السياسية، وكذلك إسراع نجل حسن نصرالله إلى تبني عملية الاغتيال، إذ نشر تغريدة جاء فيها "خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب.. بلا أسف"، وما لبث جواد حسن نصرالله أن حذف التغريدة بعدما عدها كثيرون بمنزلة توقيع لحزب الله على الجريمة.
وتحمل عملية الاغتيال دلالات كبيرة على عدم نية حزب الله في المضي قدما نحو حلحلة الوضع المتأزم في البلاد، لتأتي العملية بعد زيارة رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري القاهرة، ولقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي أكد حرص بلاده على الحفاظ على قدرة الدولة اللبنانية في المقام الأول، وإخراج لبنان من الحالة التي يعانيها حاليا، من خلال قيام القادة اللبنانيين كافة بإعلاء المصلحة الوطنية، لتبدد العملية محاولات إعادة الزخم الدولي إلى الملف اللبناني، كما حدث تماما من محاولات لإفشال زيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي زار بيروت بعد حالة كبيرة من التعاطف الدولي بسبب انفجار مرفأ بيروت.
تصفية المعارضين وقتلهم بهذه الطريقة الوحشية والأنانية لا تصنع الانتصارات ولا تبني الأوطان، وهذا ما يسعى إليه حلفاء إيران في المنطقة، تحديدا لبنان من أجل نشر حالة من الفوضى وإيصال البلاد إلى حرب أهلية، كما تزيد هذه الحالة من إخماد الأصوات الحرة من احتقان الغضب الشعبي، ما يؤدي إلى المواجهة المباشرة بين المواطنين والمسلحين خصوصا الثوار، الذين اعتدي عليهم فيما سبق، من أنصار حزب الله وحركة أمل، كما سيقلل هذا الاغتيال أي فرص ممكنة لانفراجات من أي نوع في الشأن اللبناني. إن هذه العودة الظلامية لعهد الاغتيالات والتفجيرات لن تنقذ لبنان ولن تبعد عنه أي شر ومؤامرة، إذ إن هذا الواقع المليء بالكراهية قد ينهي دولة اسمها لبنان، ابتليت بحزب الله وسلاحه غير الشرعي وتبعيته لطهران.
الصدمة التي تعرض لها الشعب اللبناني باغتيال لقمان الناشط السياسي، كسرت حاجز الخوف ليتصدر هاشتاق "#حزب_الله_ إرهابي"، "تويتر" في لبنان، ويكون الأكثر تداولا في مواقع التواصل الاجتماعي هناك، وتظهر حالة الغضب الشعبية اللبنانية الرفض القاطع للمنظومة الحالية وسيطرة الميليشيات المسلحة على الدولة، حتى لا تكون الاغتيالات السياسية جريمة عادية بدون أي محاسبة، حيث تثبت هذه الاغتيالات أن معركة الحريات مستمرة في لبنان، وعلى الشعب اللبناني أن يطالب بتحقيق شفاف في هذه الجريمة، لكن الخيبات متتالية، فالحكم هو نفسه الجلاد، ولذلك لا بد من عودة حقيقية إلى دولة المؤسسات في لبنان، وتجريد حزب الله من سلاحه غير الشرعي، لتتمكن أجهزة الدولة من تأدية أعمالها وواجباتها.
وتشبه العملية بملامحها جريمة اغتيال هشام الهاشمي الكاتب والمحلل العراقي، الذي اغتيل في يوليو الماضي على يد الميليشيات المسلحة وقوات الحشد الشعبي الطائفية والمدعومة من إيران، إذ تزداد المخاوف من حدوث سيناريو مشابه بالسيناريو العراقي فيما يتعلق بالاغتيالات وخطف النشطاء، خصوصا أن الراعي واحد، وهو نظام الملالي الإيراني الداعم للميليشيات الطائفية العابرة للحدود، التي تعمل على إضعاف الدول ومؤسساتها ونهب خيراتها، من خلال وكلائها في تلك الدول، إذ ستزيد هذه الجريمة من الانقسام والشرخ السياسي في ظل تعثر تشكيل الحكومة، بسبب تعنت حزب الله وحركة أمل، من خلال نشر العراقيل والمعوقات في وجه تشكيل حكومة وحدة وطنية.