Author

التريليونيون قادمون

|
أستاذ جامعي ـ السويد

ونحن في مستهل العقد الثالث من القرن الـ 21، ما زلنا نبحث عن سرديات أو ثيمات أو أطر خطابية لتعريف أو وصف ما ستكون عليه الحياة في العقود الثمانية المتبقية منه.
أغلبنا لن يعيش إلى نهاية هذا القرن، الذي بقي منه نحو 80 عاما أخرى كي ندشن قرنا آخر.
وكثيرة هي التوصيفات التي نسوقها للتعبير عن توقعاتنا لما ستؤول إليه الأمور ضمن نطاق المواضيع التي تشكل أركان حياتنا من النواحي الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها.
من المفكرين من يرى أن قرننا هذا سيشهد بزوغ عصر الماكينة الذكية ذات العقل الاصطناعي الذي إن لم نقيده لخرج من عقاله وصار له شأن قد يوازي شأن الإنسان أو ربما يفوقه في سيادة الأرض التي نعيش عليها.
ومن العلماء من يرى أن قرننا هذا سيشهد تعزيزا كبيرا لأفق واتساع العقل البشري والحواس البشرية، إلى درجة أننا قد لا نحتاج إلى تعلم لغات جديدة أو الذهاب إلى المدرسة.
كل ما نحتاج إليه من علم ومعرفة ربما سنكسبه حال زرع رقائق دقيقة في أجسامنا تحتوي كما هائلا من المعلومات تضاف لتعزيز ملكتنا العقلية شأننا شأن الحواسيب الخوارزمية.
ومن المفكرين من يرى أن قرننا هذا سيكون القرن الذي ستظهر فيه قوى عظمى جديدة تزيح الدول التي لها قصب السبق الآن في التكنولوجيا والصناعة والعلم والمعرفة والعساكر وحجم الاقتصاد.
في الإمكان أن نسترسل ونأتي بأمثلة كثيرة حول ما نتوقعه في شتى المضامير. قد لا تأتي رياح توقعاتنا كما نشتهي، بيد أننا لن نبعد عن الصواب إن قلنا إن قرننا هذا مقبل على تغييرات ربما ستوازي ما شهدته الأرض في القرون الـ 20 الماضية.
ونظرة سريعة على خارطة الاقتصاد وتراكم الثروة في العالم، ستنير الدرب لنا لاستنباط توصيف لا أظن ورد سابقا ومفاده أن هذا القرن أو ما بقي منه سيظهر فيها أناس "تريليونيون،" أي إن ثروتهم الشخصية قد تقترب من التريليون دولار.
في عالم المال والبورصات والمضاربات الذي نعيشه اليوم، لما تعد الناس تكترث كثيرا للذي يكتنز ثروة قيمتها تساوي رقما أمامه ستة أصفار (مليونير). حديث الإعلام والناس يدور حول الذين يملكون ثروة قيمتها تساوي رقما أمامه تسعة أصفار (مليار).
هناك حسب بعض الإحصاءات نحو 2150 شخصا في العالم ثروتهم تدخل في خانة تسعة أرقام، وبينهم حاليا خمسة أشخاص ثروتهم تصل إلى أكثر من 100 مليار، اثنان منهم في طريقهم إلى اللحاق بخانة مالكي 200 مليار أو أكثر.
لم تصل ثروة أي من أغنياء العالم وأغلبهم في أمريكا ومن ثم الصين وبعهدهما الدول الغربية الصناعية إلى التريليون بعد. أغنى رجل في العالم عليه إضافة 80 في المائة على ثروته الحالية كي يدخل في خانة صاحب التريليون، أي صاحب مال قدره 1,000,000,000,000. أغنى رجل في العالم اليوم تصل ثروته إلى 193,000,000,000.
وإن كان الحظ لم يبتسم في وجهنا حتى هذه اللحظة بسبب تفشي الجائحة، فإن العام الماضي، رغم قسوته على أغلب الناس، كان بمنزلة العام ذي الغلال الوفيرة التي وصلت ثروة المليارديريين فيها إلى أكثر من عشرة تريليونات دولار.
وإن أردنا أن نضع هذا الرقم في سياقه، فمعناه أن ثروة 2150 شخصا في العالم تساوي قيمة الإنتاج الوطني الإجمالي لألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطالية مجتمعة.
وما يثير الانتباه والدهشة والغرابة معا أن معدل ثروة أصحاب المليارديرات تفاقمت في العام الذي ضربت الجائحة العالم وفيها كافح ولا يزال مئات الملايين من البشر في سبيل لقمة العيش وعلى التشبث بالحياة بكرامة.
بعض هؤلاء الأغنياء - وهنا أنا لست في مرد حسد ثرواتهم أبدا - يتربعون أيضا على مقادير شركات خوارزمية ذات تأثير بالغ في الحياة بكل مضاميرها ومن خلالها صار لهم تأثير بالغ يفوق تأثير الحكومات والدول.
ألم يخشهم أقوى رجل في العالم؟ وألم يشنوا ضده حربا شعواء في آخر فترة حكمه؟ وهنا أشير إلى رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترمب الذي بغض الطرف عن رأينا فيه عانى الأمرين بعد أن قاطعه أصحاب المليارات الذين يديرون الشركات الخوارزمية العملاقة؟.
إن كانت الشركات الخوارزمية منحت ثروة تقدر بالمليارات لأصحابها، إضافة إلى تأثير جعل منها ندا لأقوى حكومة في الدنيا، فما سيكون شأنها وشأن أصحابها وهم في طريقهم إلى وضع 12 صفرا بدلا من تسعة أصفار أمام رقم ثرواتهم؟ التريليونيون مقبلون ومعهم عالم لم نعرف له مثيلا.

إنشرها