Author

ماذا وراء إعلان حالة الطوارئ في ماليزيا؟

|

وافق ملك ماليزيا السلطان عبدالله بن السلطان أحمد شاه (61 عاما) في الـ 12 من كانون الثاني (يناير) الجاري، بعد تشاوره مع سلاطين ماليزيا التسعة، على اقتراح من رئيس وزرائه محيي الدين ياسين بإعلان حالة الطوارئ في البلاد بهدف السيطرة على جائحة كورونا المستجد، حيث وصل عدد إصاباتها إلى مستويات قياسية، وبما شكل تهديدا لنظام الرعاية الصحية.
وبموجب هذا الإعلان تم تعليق أعمال البرلمان، وتأجيل فكرة إجراء انتخابات عامة مبكرة إلى أجل غير مسمى، وحظر التنقل بين الأقاليم بما فيها العاصمة كوالالمبور. وقام ياسين بتفويض الجيش بكامل صلاحيات تطبيق حالة الطوارئ في جميع سلطنات وأقاليم البلاد. وفي محاولة منه لطمأنة الماليزيين ظهر على شاشة التلفزيون ليقول: إن الإجراءات المتخذة التي قد تستمر حتى آب (أغسطس) المقبل، ليست انقلابا على الدستور كما أشاع البعض المغرض، ولن يرافقها منع التجول ولن تستبدل الحكومة المدنية بأخرى عسكرية، علما بأن ماليزيا لم تشهد إعلانا لحالة الطوارئ منذ عام 1969 حينما اضطرت الحكومة لتطبيقها لقطع دابر أعمال الشغب واحتواء الاضطرابات والتظاهرات الشعبية آنذاك.
ومما لا شك فيه أن هذه الإجراءات تعطي ياسين فرصة لالتقاط الأنفاس، وتمنحه وقتا كافيا لتوحيد صفوف حزبه - حزب بريكاتان ناسيونال -، وتعزيز قبضته على السلطة، وتهيئة أنصاره جيدا لخوض الانتخابات العامة المقبلة التي وعد بها، وذلك في مواجهة خصومه المتربصين به، وعلى رأسهم مهاتير محمد رئيس الحكومة السابق وأنور إبراهيم السياسي الطموح. والأخيران كانا يوما ما من حلفائه قبل أن ينقلب عليهم من خلال موافقته على طلب عاهل البلاد بتسلم السلطة تخلصا من مناورات مهاتير المعروفة وطموحاته السياسية غير المحدودة. والمعروف في هذا السياق أن ياسين قضى شهورا يعاني تحديات كبيرة واجهت زعامته، في ظل تحالفات ومؤامرات المعارضة لإسقاط حكومته وإجراء انتخابات مبكرة، بدليل أن نواب المعارضة قدموا في العام الماضي أكثر من 20 طلبا لسحب الثقة منه. غير أنه استند إلى أحكام إجرائية لمنع انعقاد جلسات طرح الثقة البرلمانية.
وعلى حين يرى خصوم ياسين أن حالة الطوارئ ليست سوى خديعة يطيل بها الرجل بقاءه في السلطة، بعدما خسرت حكومته الائتلافية غير المنتخبة أخيرا دعم نائبين منتميين إلى حزب أومنو - أكبر وأقدم أحزاب ماليزيا، حيث أسس عام 1946 وقاد البلاد إلى الاستقلال والوحدة وحكمها دون انقطاع من عام 1957 حتى 2018 -، فصارت حكومة أقلية يدعمها 109 نواب من أصل 222 نائبا، فإن آخرين يرون أن ما تمر به ماليزيا من ظروف صحية يستدعي فعلا تطبيق حالة الطوارئ، بدليل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى أكثر من 33 ألف إصابة بعد أن كان عددها في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي عشرة آلاف إصابة. فإذا ما علمنا أن البلاد استهلكت تقريبا كامل طاقاتها من الأسرة بوحدات العناية المركزة في المستشفيات العامة، فإن اللجوء إلى إعلان الطوارئ كان ضروريا من أجل الاستيلاء المؤقت على خدمات المرافق الصحية الخاصة لتوظفيها في سد النقص.
غير أن هذا لا ينفي أن نجاح ياسين في الحصول على موافقة عاهل البلاد على إعلان حالة الطوارئ، بعد أن كان قد رفض طلبا مماثلا في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بحجة أن الأمور لا تستدعي ذلك (وقتها رأت أحزاب المعارضة أن رفض الملك هو بمنزلة توبيخ لياسين وعدم ثقة في سياساته، وطالبوا الملك بإقالته بالطريقة التي عينه بها في آذار (مارس) 2020، أي بمرسوم - له تداعيات سلبية على أحزاب المعارضة المتقاتلة على السلطة والمنقسمة على نفسها والمتعددة في توجهاتها وولاءاتها بشكل غير مسبوق في تاريخ ماليزيا السياسي. ذلك أن سريان حالة الطوارئ لعدة أشهر يعيق عمل هذه الأحزاب لجهة عقد الندوات والتجمعات الجماهيرية لشحذ الأنصار، كما أنه يحد من الاجتماعات الخاصة بعقد التحالفات السياسية الجديدة والمساومة على المناصب والحقائب الوزارية في حال الوصول إلى السلطة بديلا عن حكومة ياسين.
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أنه بموجب الصلاحيات الدستورية والسلطات التقديرية التي يتمتع بها الملك الماليزي، يمكن للأخير إنهاء مدة سريان حالة الطوارئ متى رأى أن ظروف البلاد الصحية لم تعد مقلقة، علما أن الملك الحالي السلطان عبدالله قد يفعلها قبل آب (أغسطس) المقبل، فهو بحق مختلف تماما عن كل أسلافه من ملوك ماليزيا، لأنه أسس لشيء جديد وهو لعب دور سياسي، رغم أن الدستور يحصر دوره في تمثيل الأمة ككل والقيام بالواجبات السيادية والبروتوكولية فقط. وهذا الدور لئن تجلى العام الماضي في تعيينه حكومة غير منتخبة - حكومة محيي الدين ياسين -، فإنه تجلى أيضا في الضغط على عدد من الساسة، طالبا منهم وقف مناوراتهم السياسية العقيمة المستندة إلى أجندات وطموحات شخصية، والالتفات بدلا من ذلك إلى توحيد الأمة وتجسير الخلافات وحل مشكلات البلاد الاقتصادية، وهو ما لم يلق آذانا صاغية.

إنشرها