Author

«لما مخك يفوت»

|
شاهدت مقطعا جميلا لشاب يسأل رجلا كبيرا في العمر عن أكثر شيء يساعده على العيش بسعادة في الحياة فأجابه بعفوية، "لما مخك يفوت كثيرا من أمور الحياة اللي ما تستاهل، فأبشرك إنك راح تكون سعيدا على طول". بهذه الإجابة البسيطة التي تحمل خبرة الأعوام وتجارب الأيام استطاع هذا الشيخ الكبير أن يلخص سر العيش بسعادة في هذه الحياة من خلال التركيز على الإحساس بالسلام النفسي الداخلي. كثير من الناس يهدرون أوقاتهم في تضخيم الأمور وصغائر الحياة والتنقيب عن زلات الآخرين وعثراتهم والتدقيق على كل شاردة وواردة.
إذا أردت فعلا أن تعيش السعادة الحقيقية وتساعد مخك على أن يفوت فيجب عليك أن..
- تتعلم فن التغافل والتغابي الذي يعد مهارة عظيمة لا يتقنها كثيرون، يقول أبو تمام،
ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي
الحياة رحلة محسوبة عليك بالدقائق والثواني وليست حلبة مصارعة الفوز فيها للأقوى، لذلك من العبث أن تبعثر هذا الوقت الثمين في الدخول في نقاشات عقيمة لا فائدة منها غير "حرقة الأعصاب" والاستنزاف الفكري، كما أنه ليس من الضروري أن تجبر الآخرين على رؤية الأمور من زاويتك الشخصية وإلا عدت ذلك انتقاصا منهم لشخصك الكريم وعقليتك الفذة. كن مرنا في طرح وجهة نظرك مثل التاجر الذي يعرض بضاعته، ولكنه لا يجبر الناس على شرائها. فن التغافل والتغابي سيمنعك من التركيز على العتاب و"التشره على الطالعة والنازلة" حتى لا ينطبق عليك قول بشار بن برد،
إذا كنت في كل الأمور معاتبا
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك، فإنه
مقارف ذنب مرة ومجانبه
لذلك إذا نسي قريب لك دعوتك على مناسبة عائلية فأوجد له العذر ولا تطلب من شياطين الإنس نقل "مراسيل" العتب إليه فهؤلاء سيشعلون الرماد نارا ويوغرون الصدور ثم يتراقصون على نار القطيعة، وإذا بدر من صديق لك موقف لا يعجبك فلا تنسف جميل أفعاله الماضية وتمسك له هذه الزلة، ولا تدقق على سفاسف الأمور ولا تفسر حركات الآخرين وسكناتهم بسوء الظن وتفترض خبث نياتهم قبل أن ترى أفعالهم على أرض الواقع، لأن ذلك سيجعلك تخسر كثيرا من صحتك ونفسيتك. سئل الإمام أحمد بن حنبل، أين نجد العافية؟ فأجاب، تسعة أعشار العافية في التغافل، ثم قال، بل هي العافية كلها.
وخزة:
اجعل مخك "يفوت" على قدر ما تستطيع ولا تقف بالمرصاد لكل شاردة وواردة في الحياة، وإلا ستصاب بالقرحة والضغط وأمراض القلب وستعيش حياتك وحيدا فالناس ليسوا مجبرين على العيش بجوار شخص لا يعجبه العجب!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها