Author

مناورة الصين الاقتصادية في أوروبا «1من 2»

|

أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي ـ كلية كينيدي ـ جامعة هارفارد ـ رئيس الرابطة الاقتصادية الدولية.

مع انتهاء عام 2020، أعلن الاتحاد الأوروبي والصين إتمام اتفاقية شاملة بشأن الاستثمار بين العملاقين الاقتصاديين. تفاخر الإعلان الرسمي الصادر عن المفوضية الأوروبية بأن هذا سيكون الاتفاق الأكثر طموحا الذي أبرمته الصين مع دولة ثالثة.
تمنح الاتفاقية الشركات الأوروبية الولوج إلى السوق الصينية، مع إزالة أو تخفيف متطلبات الحكومة الصينية بشأن المشاريع المشتركة ونقل التكنولوجيا في بعض القطاعات، وتعد بمعاملة متساوية مع مؤسسات الدولة والشفافية التنظيمية. علاوة على ذلك، تعهدت الحكومة الصينية ببعض الالتزامات المتعلقة بالاستدامة البيئية وحقوق العمال، ولا سيما من خلال الموافقة على بذل جهود مستمرة ومتواصلة للتصديق على اتفاقية العمل الجبري.
على الورق هذا مكسب ليس فقط للصناعة الأوروبية لكن أيضا لحقوق الإنسان. لكن الاستقبال الذي تلقاه هذه الاتفاقية لم يكن إيجابيا بشكل موحد. تراوح رد الفعل الأمريكي بين خيبة الأمل والعداء الصريح. بالنسبة للمتشددين، بمن فيهم المسؤولون في إدارة ترمب المنتهية ولايته، بدا قرار أوروبا كأنه رضوخ للقوة الاقتصادية الصينية ومنح البلاد فوزا دبلوماسيا مهما.
لكن عديد من المعتدلين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي المعين من قبل الرئيس المنتخب جو بايدن، شعروا بالفزع أيضا. كانت إدارة بايدن المقبلة تفضل تقديم جبهة موحدة ضد الصين، من خلال إبرام صفقة اقتصادية مع أوروبا أولا.
بالنسبة للآخرين، ما أثار غضبهم هو سذاجة الاتحاد الأوروبي الواضحة بشأن وعود الصين في مجال حقوق الإنسان. جي فيرهوفشتات رئيس الوزراء البلجيكي السابق وعضو البرلمان الأوروبي، كتب على "تويتر": "أي توقيع صيني على حقوق الإنسان لا يستحق الورق الذي كتب عليه".
تؤكد الاتفاقية الأوروبية الصينية مسألة أساسية تتعلق بالنظام العالمي بعد الوباء: كيف ينبغي إدارة العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية بين القوى الكبرى ذات الترتيبات المؤسسية والسياسية المختلفة جدا؟ خصوصا هل يمكن للديمقراطيات أن تظل وفية لقيمها أثناء الانخراط في التجارة والاستثمار مع الصين؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعترف بحقيقتين: أولا، من المستحيل تصور فصل كبير للاقتصاد الصيني واقتصادات الغرب لا يتسبب في كارثة اقتصادية. ثانيا، هناك قليل مما يمكن للدول الغربية فعله، بشكل فردي أو جماعي، لإعادة تشكيل النموذج الاقتصادي الصيني الذي تقوده الدولة أو النظام القمعي لحقوق الإنسان والعمال.
لا يمكن لاتفاقيات التجارة والاستثمار تحويل الصين إلى اقتصاد سوق على النمط الغربي أو تحويلها إلى دولة ديمقراطية. أفضل أمل إذن هو السعي إلى نظام عالمي جديد يعترف بتنوع الأوضاع الاقتصادية والسياسية دون أن يقوض بشدة المكاسب من التجارة والاستثمار الدوليين.
لا يعني أي من هذا أنه يجب على الدول الغربية تنحية حقوق الإنسان أو الاعتبارات السياسية جانبا عند إشراك الصين في المجال الاقتصادي. بل يعني ببساطة أنه يجب على الولايات المتحدة وأوروبا السعي لتحقيق أهداف أكثر محدودية وأكثر قابلية للتحقيق وأكثر قابلية للدفاع في نهاية المطاف.
اثنان من هذه الأهداف لها أهمية قصوى. أولا: يجب أن تضمن قواعد التجارة والاستثمار عدم مشاركة الشركات والمستهلكين الغربيين بشكل مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان في الصين. ثانيا، يجب أن تحمي هذه القواعد الدول الديمقراطية من الممارسات الصينية التي يمكن أن تقوض الترتيبات المؤسسية المحلية الخاصة بها بشأن العمل والبيئة والتكنولوجيا والأمن القومي. يجب أن يكون الهدف هو دعم وحماية القيم الغربية الخاصة، بدلا من تصديرها... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكت، 2021.

إنشرها