Author

اللقاح وتعافي الاقتصادات المنتظر

|
هناك مستويات في عودة الاقتصادات حول العالم إلى التعافي من جراء الآثار التي تركها فيروس كورونا المستجد على الساحة الدولية. عموما، كل الدول عانت هذه الآثار من دون استثناء، ولا تزال تعاني، على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي تدل على إمكانية أن تسهم اللقاحات ضد الفيروس في تخفيف الضغوط الاقتصادية المختلفة وتراجع مؤشرات النمو. ولا شك أن موضوع التعافي هو المحور الرئيس الذي سيشكل المشهد العام، فالاقتصادات كلها عانت كثيرا، واضطرت الحكومات إلى التدخل لحماية ما أمكنها من المكتسبات الاقتصادية في كل القطاعات، ما أضاف مزيدا من الأعباء على كاهل الموازنات العامة، ورفع مستوى الديون السيادية بصورة كبيرة، حيث وصلت في أغلبية الدول المتقدمة إلى أكثر من نواتجها المحلية الإجمالية.
ويرى الخبراء أن الاقتصادات الآسيوية ستكون سباقة في العودة إلى الأوضاع التي كانت عليها قبل تفشي جائحة كورونا، وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أنها تمضي قدما نحو التعافي، بينما هناك اقتصادات، ولا سيما الأوروبية منها، ستنتظر وقتا أطول للعودة إلى الفترة التي سبقت الوباء. والواضح أن المناطق التي تأثرت أكثر بهذا الوباء الذي لم يتوقعه أحد، ستكون أقل وصولا إلى مرحلة التعافي، نظرا إلى حجم الآثار التي لا يزال يتركها كورونا على ساحاتها، وفي مقدمتها الاقتصادات الأوروبية، التي تواجه واحدة من أسوأ مراحلها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتعاني المنطقة الأوروبية تراجع النمو بمستويات كبيرة، قياسا بتراجعه في مناطق أخرى، ولا سيما في آسيا حتى شمال أمريكا. وعلى هذا الأساس، ستشهد اقتصادات الدول الآسيوية، خصوصا المنضوية تحت لواء رابطة دول آسيا والمحيط الهادئ "آبيك"، تطورات مهمة على صعيد النمو.
وفي العموم، ستكون الدول الناشئة أكثر سرعة في تحقيق التعافي والوصول إلى مرحلة ما قبل الوباء، وذلك لأسباب عديدة، في مقدمتها مرونة حراك هذه الاقتصادات، وتراجع الآثار التي تركها الوباء بسرعة كبيرة، خاصة مع وصول اللقاحات إلى المناطق المستهدفة منها. ويرى كثير من الخبراء، أن أوروبا ستحتاج إلى عام تقريبا كي تعود إلى النمو، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الأوروبية عموما، ولا سيما الدول التي كانت تواجه مشكلات اقتصادية، مثل اليونان وإيطاليا. لكن الاتحاد الأوروبي يتحرك في كل الاتجاهات من أجل تسريع عملية عودة النمو، مع وجود تنسيق كامل بعض أعضائه، خصوصا كتلة منطقة اليورو.
ولا تزال مرحلة التعافي الكامل بعيدة عن الساحة العالمية، وهناك كثير من الخطوات يجب أن تتخذ للوصول إلى تلك المرحلة التي تمثل الهدف الأول بالنسبة إلى الحكومات حول العالم، لكن تبقى الفروقات واضحة بين منطقة وأخرى في مسألة النمو. فعلى الساحة الأمريكية، ستكون هناك قفزات نوعية، بحسب الخبراء، مع وصول الإدارة الديمقراطية إلى الحكم بقيادة جو بايدن. فالتحفيز الاقتصادي الجديد، الذي تعهد به هذا الأخير، سيؤثر بصورة إيجابية في الاقتصاد العالمي كله، إلى جانب - طبعا - النتائج التي ستتركها اللقاحات حول العالم. وهذه نقطة محورية، لأنها تمثل في حد ذاتها حبل إنقاذ للاقتصاد العالمي.
فتخطي الجائحة المرعبة يمكن أن يتم في غضون العام الجديد والعام المقبل، مع التأكيد على الفروقات بين دولة وأخرى في هذا المجال، لكن في النهاية ستعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل كورونا في غضون عامين، خصوصا إذا تمكن العالم من قهر الوباء باللقاحات الناجعة التي صارت متاحة للجميع - تقريبا - في معظم دول العالم.
إنشرها