وظائف ومهارات المستقبل

ما زالت آثار جائحة كورونا تلقي بظلالها عالميا على الاقتصاد والأعمال وحتى الحياة الاجتماعية. وكما عايش الجميع بعضا من هذه الآثار المباشرة، خصوصا ما يتعلق بأسلوب حياتهم اليومية أو ما أملاه عليهم التباعد الاجتماعي من احترازات غير مألوفة. إلا أننا نستطيع أن نصنف هذه التأثيرات ضمن دائرة التأثير المباشر، وهي أوضح من أن نسترسل في عدها أو الإسهاب في تفصيلها. لكن يجدر بنا أن نبحث في الآثار غير المباشرة والتغيرات المستقبلية بسبب تداعيات جائحة كورونا، التي تستدعي التنبؤ والاستشراف للعمل على تكييفها والحد من مخاطرها -إن كانت هناك مخاطر محتملة- بما يخدم البشرية، ويحقق النمو والازدهار على جميع الأصعدة. فعلى سبيل المثال، بسبب الحجر المنزلي أو حظر التجول أثناء الجائحة، طرأ تغير كبير في سلوك المستهلك معتمدا على التسوق الإلكتروني والتبضع عن بعد مستفيدا من خدمات الشحن والتوصيل لمقر الإقامة. هذا التغيير وإن كان موجودا قبل أزمة كورونا، إلا أنه ازداد بوتيرة أسرع وبحجم أكبر مما فرض واقعا جديدا في تجربة المستخدم وسلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية، المتعلقة سواء بتجارة التجزئة أو التموين وحتى خدمات الأطعمة والضيافة. لمسايرة هذا الواقع الجديد، وجد عديد من الجهات، خصوصا في القطاع الخاص، نفسها ملزمة بتوظيف التقنيات الرقمية والاستفادة من منصات الاتصال عن بعد وكذلك تبني المرونة في إدارة ومراقبة أعمالها للمحافظة على الحد الأدنى من الكفاءة التشغيلية ولضمان استمرارية خدماتها أو حركتها التجارية.
السؤال المنطقي، من سيقوم بإحداث هذه النقلات في طبيعة الأعمال وتنفيذ هذه التقنيات وإدارتها في تلك الشركات؟ بكل تأكيد سيسند الأمر لمن يملك الكفاءة العلمية والخبرة المهنية للقيام بذلك، وهنا نأتي للحديث عن عنوان هذا المقال. في دراسة أعدتها أكاديمية مسك العام الماضي تناولت فيها تقييم احتياجات سوق العمل السعودية، قامت باتباع منهجية التحليل من الأعلى للأسفل لتحديد القطاعات ذات الأولوية في الاقتصاد السعودي. بعد ذلك سلطت الدراسة على أبرز الوظائف المطلوبة في تلك القطاعات والمهارات الضرورية الواجب توافرها في شاغلي تلك الوظائف. تحليل البيانات والعمليات، تطوير التطبيقات والبرمجيات، وهندسة العمليات والبيانات من أبرز الوظائف التي قدمتها الدراسة. وفي اعتقادي أن الدراسة أعدت في بداية الجائحة ولم تأخذ في الاعتبار التغييرات المحتملة على قطاع الأعمال بسبب كوفيد - 19 المستجد، لكنها قدمت تصورا دقيقا لاحتياجات سوق العمل السعودية.
بنظرة أكثر شمولية، يمكن القول: إن وظائف المستقبل هي التي ستلبي متطلبات المرحلة المقبلة من تعزيز التجربة الكلية للمستخدم، وأتمتة العمليات، وتحقيق ذكاء الأعمال، ورفع كفاءة ومرونة النقل والخدمات اللوجستية وكذلك تعزيز التواصل والإدارة عن بعد. لذا من عالي الاحتمالية أن يكون للتخصصات والمهارات المتعلقة بالبيانات والذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات والأعمال، البرمجة وهندسة البرمجيات، مهارات التواصل الفعال والذكاء الاجتماعي الحظ الأوفر من وظائف المستقبل بدءا من هذا العام. إن التنبؤ بوظائف ومهارات المستقبل منارة إرشاد للباحثين عن العمل، ولمقدمي خدمات التدريب والتأهيل لمواءمة متطلبات المرحلة وكذلك يساعد أصحاب العمل على التخطيط لاحتياجات وظائفهم المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي