Author

التطورات القطاعية للتوظيف

|
تثير التطورات التقنية للذكاء الاصطناعي والروبوتات قلق بعض العاملين حول مصير وظائفهم. ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى مشاهدات أرض الواقع من الإحلال المتزايد للآلة والروبوتات محل البشر في وظائف كثيرة. وتلعب التقنية دورا كبيرا في العملية الإنتاجية، لكنها ليست العامل الوحيد المؤثر في التوظيف، فعندما تخفض التقنية الوظائف في منشآت معينة، فهذا لا يمنع العوامل الأخرى من إيجاد الوظائف أو تدميرها. وتقود السياسات والتغيرات الاقتصادية والسكانية والبيئية والاجتماعية والثقافية وحاجة البشر وعبقريتهم إلى ولادة وظائف جديدة وفقدان أخرى.
وتشير توقعات الدول والمختصين إلى ارتفاع التوظيف خلال الأعوام المقبلة في عدد من القطاعات الاقتصادية وتراجعها في قطاعات أخرى. سيتركز النمو المتوقع للوظائف خلال الأعوام المقبلة في قطاعات الخدمات وستتطلب المزيد من المهارة والتدريب والتعليم. وستكون القطاعات الصحية من أبرز القطاعات المولدة للوظائف، حيث ستنتج عن التحولات السكانية وارتفاع نسب كبار السن قفزة طلب كبيرة على الخدمات الصحية. ومن المتوقع زيادة متوسطات أعمار السكان على النطاق العالمي، حيث سترتفع نسبة شريحة كبار السن (فوق 65 عاما) من 9 في المائة حاليا إلى نحو 16 في المائة من سكان العالم في 2050، وستسجل الدول المتقدمة نسبا أعلى من ذلك بكثير. ونتيجة لذلك سينمو الطلب على الخدمات الصحية وخدمات رعاية كبار السن، ما سيولد طلبا إضافيا لوظائف الممارسين الصحيين وفي مقدمتهم الأطباء والممرضون ومساعدوهم وباقي الوظائف المساندة. سترتفع الحاجة أيضا إلى وظائف العناية بكبار السن والخدمات والمنتجات المساندة لها. إضافة إلى ذلك ستقود التطورات التقنية المستقبلية إلى تصاعد استخدام التقنية في المجالات الصحية، ما سيولد وظائف في استخدامات الأجهزة والتقنيات الطبية وتصنيعها وصيانتها.
أدى الانتشار السريع لوباء كورونا المستجد إلى فضح وتعرية قصور عديد من الأنظمة الصحية حول العالم، ما سيولد ضغوطا على معظم دول العالم لزيادة الإنفاق والاهتمام بالرعاية الصحية الوقائية ومحاربة الأوبئة. سيرتفع بشكل ملحوظ الإنفاق الخاص والعام على الرعاية الصحية العلاجية والوقائية وأبحاث وتطوير اللقاحات والدراسات الجينية والعقاقير ما سيولد مزيدا من الوظائف في قطاعاتها. في المقابل، سيقود انخفاض معدلات النمو السكاني في معظم دول العالم، إلى تراجع معدلات الولادة والأطفال للأسرة، ما يعني فتور الطلب على بعض التخصصات الطبية كطب الأطفال والنساء والولادة.
ستولد التطورات التقنية المتسارعة وظائف في القطاعات التقنية، وخصوصا في مجالات الحاسب والجوال والبرمجة وقواعد البيانات وأنظمة الحاسب وخدماتها والاستشارات التقنية والعلمية والإدارية. وسينمو الطلب أيضا على وظائف أمن المعلومات والحروب والهجمات السيبرانية (الإلكترونية) ومخاطرها. كما سيرتفع الطلب على خدمات ووظائف الشبكات والتعامل مع الإنترنت واستخداماتها في مجالات الأعمال التي من أبرزها تطوير المحتوى وتحليل البيانات والمعلومات الرقمية وتطوير وخدمات التطبيقات والاستخدامات التجارية لها. كما ستولد وظائف في مجالات استخدام الجوال للتعامل مع المعدات والأجهزة في الأعمال والمؤسسات والمنازل وتطوير برامجها وتشغيلها وإدارتها. سيتزايد استخدام البيانات الإحصائية والمعلومات رافعة الطلب على وظائف سبر وبناء وتحليل المعلومات والبيانات واستخداماتها التجارية عبر الإنترنت.
سيتزايد مستقبلا الطلب على وظائف التعليم العالي والتدريب التقني بوجه خاص لتطلب الوظائف مهارات أعلى في جميع المجالات، وخصوصا التقنيات الجديدة. في المقابل، ستتراجع وظائف التعليم الأساسي لانخفاض نسبة الأطفال للسكان في عدد من الدول. أما بالنسبة للخدمات المالية والتأمين فسيستمر نمو الطلب على خدمات الخدمات المالية والتأمين، ما سيولد وظائف للمديرين والمستشارين الماليين والدراسات الإكتوارية، بينما سيتراجع الطلب على وظائف القطاع المالي الأقل مهارة كالصرافين.
ستقود التطورات التقنية المستقبلية إلى استمرار تراجع الطلب على الأسواق والمجمعات التجارية، ما يعني خسارة وظائف البيع المباشر سواء في أسواق التجزئة أو الجملة للسلع والخدمات. في المقابل، سيرتفع الطلب على وظائف البيع والتسويق عبر الإنترنت والمتاجر الإلكترونية وإيصال السلع والمنتجات. سيستمر نمو الطلب على خدمات إعداد الطعام التي انتشرت حول العالم ما يعني المزيد من الوظائف في هذا القطاع التي يعيبها انخفاض الأجور فيها. وسيتراجع الطلب أيضا على الوظائف المكتبية، كأعمال السكرتارية والمساعدين الإداريين ومدخلي البيانات والنساخين. سيعاني القطاع الصناعي انحسار الوظائف، نظرا للاستخدام المتزايد مستقبلا للروبوتات، كما ستستمر خسارة الوظائف التاريخية، ولكن بشكل أبطأ لقطاعات الزراعة وصيد وتربية الأسماك، وخصوصا في الدول النامية. وتجري حاليا محاولات لإنتاج اللحوم في المعامل، ما قد يضغط على وظائف قطاع تربية المواشي والحيوانات مستقبلا.
تضغط التطورات البيئية والخوف من التغيرات المناخية على حكومات العالم للحد من استخدامات واستهلاك الطاقة الأحفورية وزيادة الدعم لاستخدام وتطوير الطاقة الخضراء أو النظيفة. ومن المتوقع تراجع معدلات نمو الطلب على الطاقة الأحفورية، ما يعني خسارة وظائف الفحم الحجري وربما النفط ومنتجاته، بينما يرجح استقرار وظائف الغاز الطبيعي. في المقابل، هناك توجه عام لدى دول العالم لدعم استخدامات وتطوير الطاقة النظيفة أو الخضراء، ما سينمي قطاعات توليد واستخدامات الطاقة الشمسية والهوائية وباقي أنواع الطاقة الخضراء التي ستولد وظائف بديلة وربما أكثر من الوظائف المفقودة في قطاعات الطاقة الأحفورية. وعموما، ستزداد الاهتمامات البيئية، ما سيولد وظائف في قطاعات التصدي للتلوث والتغيرات المناخية والبيئية لها، وكذلك المحافظة على البيئة وحمايتها.
إنشرها