ضرورة الإبقاء على التزامات المناخ طوعية «1من 2»

مع وصول لقاحات فعالة وقادرة في الأرجح على وضع جائحة مرض فيروس كورونا كوفيد - 19 الكارثية تحت السيطرة في قسم كبير من العالم بحلول صيف عام 2021، ستعود مكافحة تغير المناخ مرة أخرى لتحتل مكانتها الواجبة باعتبارها التحدي الأعظم الذي يهدد وجود الجنس البشري. ومن الواضح أن الاستعانة بالنهج الصحيح ستشكل أهمية بالغة في هذا الصدد.
قبل خمسة أعوام، وقعت 196 دولة على اتفاق باريس للمناخ بهدف الحد من ظاهرة الانحباس الحراري الكوكبي حيث لا تتجاوز الزيادة في درجات الحرارة درجتين مئويتين نسبة إلى مستويات ما قبل الصناعة. كان الاتفاق، الذي صدقت عليه 189 دولة، أول اتفاق عالمي من نوعه ويشكل علامة فارقة في مجال التعاون الدولي. ورغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عهد الرئيس دونالد ترمب، فقد تعهد الرئيس المنتخب جو بايدن بالعودة إلى الانضمام إليه بمجرد توليه منصبه في (يناير) كانون الثاني 2021.
لم يكن نجاح اتفاق باريس نابعا من الإدراك المتزايد لمخاطر الانحباس الحراري الكوكبي وحسب، بل أيضا من الطابع الطوعي للأهداف التي تعهد الموقعون على الاتفاق بتلبيتها. ولم ينص الاتفاق على عقوبات لعدم الامتثال.
يستعد العالم الآن للتحضير لدورة المتابعة شديدة الأهمية لقمة المناخ، COP26، المقرر انعقادها في جلاسجو في شهر (نوفمبر) تشرين الثاني 2021. يحذرنا العلماء من أن العالم لم يعد أمامه سوى نحو عشرة أعوام فقط لتبني التحول الأخضر الذي من شأنه أن يعمل على تمكينه من تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، فيمنع بالتالي التغير المناخي الكارثي. علاوة على ذلك، يؤكد العلماء أن وضع حد للانحباس الحراري الكوكبي لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية يعد هدفا أكثر أمانا من توخي حد أقل كثيرا من درجتين مئويتين.
منذ قمة باريس، دعا كثيرون إلى فرض عقوبات على سياسات المناخ غير الطموحة بالقدر الكافي كعلاج لمشكلة ركاب المجان. كما شهدنا دعوات تطالب باتخاذ تدابير لمنع تسرب الكربون، الذي يحدث عندما يتحول الإنتاج الكثيف الاستخدام للكربون من الدول التي تفرض سياسات التخفيف الصارمة إلى تلك التي تفرض تدابير أضعف كثيرا، فيظل إجمالي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بهذا على حاله دون تغيير.
يفضل كثيرون إنشاء ناد مناخي للدول التي تتشارك أهدافا طموحة مماثلة للحد من الانبعاثات وفرض العقوبات على غير الأعضاء. كان أحد الاقتراحات المبكرة والمؤثرة مقدما من قبل رجل الاقتصاد الحائز جائزة نوبل في علوم الاقتصاد ويليام نوردهاوس، الذي دعا إلى فرض تعريفة موحدة بنسبة 3 في المائة على كل الواردات، سواء كانت كثيفة الاستخدام للكربون أو لم تكن، القادمة من الدول من خارج النادي. وبهذا تكون الرغبة في تجنب العقوبة حافزا للانضمام إلى النادي.
لكن اقتراح نوردهاوس، رغم بساطته، ينتهك فقرة الدولة الأولى بالرعاية في إطار منظمة التجارة العالمية. منذ ذلك الحين، دفع آخرون بمخططات عديدة تقضي بفرض ضرائب التعديل الحدية الأكثر توافقا مع مبادئ منظمة التجارة العالمية، التي تهدف إلى معادلة السعر المحلي للكربون بالسعر المتضمن في الواردات.
الواقع إن الاتحاد الأوروبي يخطط لإدخال مثل هذا الإجراء كجزء من أجندة مناخية طموحة. كما تحدث بادين عن تعهد مماثل، وإن كان أقل تحديدا، ضمن برنامجه الانتخابي، وإن كان من الواجب على الولايات المتحدة أن تفرض أولا ضريبة كربون محلية، أو تزيد وتحدد على نحو أو آخر كميا سعر كربون الظل المنصوص عليه في ضوابطها التنظيمية ومعاييرها على النحو الذي تقبل به الدول الأخرى ومنظمة التجارة العالمية.
بالمثل، وجه جونترام ب. وولف، مدير مركز الأبحاث بروجل الذي يتخذ من بروكسل مقرا له، الدعوة أخيرا إلى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وربما الصين، لتشكيل ناد مناخي مع إجراء خارجي مشترك لتعديل الكربون لتوفير تكافؤ الفرض للمنتجين داخل وخارج النادي.
لكن إلى جانب المشكلة المتمثلة في صعوبة قياس الكربون نتيجة لسلاسل القيمة المعقدة عبر الحدود، يتعين علينا أن نضع في الحسبان عديدا من سمات مشكلة المناخ المهمة عند النظر في مثل هذه الاقتراحات... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي