Author

أين تتجه أسواق النفط في 2021؟

|
منذ سبعينيات القرن الماضي، ظلت أسعار النفط الخام، في الأغلب، في نطاق يراوح بين عشرة و30 دولارا للبرميل قبل أن تقفز في عام 2004. السبب الرئيس وراء هذا الاختراق كان نمو الطلب على النفط بقيادة الصين وتأثيره في الطاقات الإنتاجية الاحتياطية لـ "أوبك"، ما أدى إلى مخاوف بشأن تشدد كبير بين العرض والطلب. وفي عام 2008، أدت الأزمة المالية 2008 إلى ركود عالمي أدى إلى انخفاض غير مسبوق في أسعار النفط بأكثر من 100 دولار للبرميل، من أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 140 دولارا للبرميل قبل استئناف الاتجاه الصعودي، بسبب الانتعاش الاقتصادي. على مدى الخمسة أعوام التالية، كانت الأسعار تحوم حول 100 دولار للبرميل، في حين استمرت طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة. كان الانخفاض في أسعار النفط في الفترة 2014-2015 مدفوعا بشكل أساسي بأعوام من الزيادة في إمدادات النفط من المصادر غير التقليدية وعدم تدخل "أوبك" لدعم الأسعار في حينها.
في العام الماضي، كانت المرة الأولى التي تنخفض فيها الأسعار إلى المنطقة السالبة عندما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط لتسليم أيار (مايو) 2020 إلى مستوى منخفض بلغ "- 37 دولارا للبرميل" في نيسان (أبريل). لقد أدى ظهور جائحة كورونا، في وقت سابق من العام الماضي، إلى فرض قيود على السفر وانخفاض حاد في النشاط الاقتصادي، ما تسبب في حالة زيادة العرض في السوق. هذا إلى جانب عدم توافر تخزين، في موقع التداول في كوشينج، أوكلاهوما، ما جعل النفط بلا قيمة.
بعد هذه الفترة من الاضطراب التاريخي، استقرت أسعار النفط في منتصف عام 2020، مدعومة بالتعافي التدريجي في الطلب على النفط، جنبا إلى جنب مع تخفيضات الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل في اليوم من قبل مجموعة "أوبك +" في أيار (مايو) وحزيران (يونيو)، وبنسبة 7.7 مليون برميل في اليوم للفترة المتبقية من العام. في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، وافقت المجموعة بقيادة المملكة وروسيا على تمديد تخفيضات الإنتاج البالغة 7.2 مليون برميل يوميا حتى كانون الثاني (يناير) 2021، ما يشير إلى زيادة معتدلة في الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا.
وفي الآونة الأخيرة، ارتفع خام برنت فوق حاجز الـ 50 دولارا للبرميل على خلفية أخبار اللقاحات الإيجابية. لقد أثارت الفاعلية الأعلى من المتوقع للقاحات الرائدة تحولا في المعنويات في أسواق النفط، ما أدى إلى دعم التوقعات الأكثر تفاؤلا لمستقبل ما بعد الجائحة.
يسود أيضا تفاؤل متجدد بشأن انتعاش الاقتصاد العالمي عام 2021 على خلفية توزيع اللقاحات في الاقتصادات الكبرى. عادة ما ينظر إلى الثقة العالية في التعافي الاقتصادي العالمي على أنه يؤدي إلى ضعف الدولار، الذي انخفض بأكثر من 12 في المائة مقابل سلة من العملات الرئيسة منذ آذار (مارس) من هذا العام. ومن المتوقع أن يدعم أيضا الطلب على الصادرات الأمريكية. في هذا الجانب، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أنه سيبقي أسعار الفائدة منخفضة وسيواصل توفير الحوافز المطلوبة لدعم الاقتصاد الأمريكي. يعد انخفاض الدولار على خلفية الانتعاش الاقتصادي العالمي والإنفاق التحفيزي المستمر في الولايات المتحدة، إضافة إلى الاقتصادات الرئيسة الأخرى، عاملا صعوديا لأسعار النفط.
إضافة إلى ذلك، ستسمح اللقاحات للناس باستئناف حياتهم بطريقة طبيعية وتدعم مزيدا من الإنفاق الذي يقوده الاستهلاك الذي من شأنه أن يرفع أسعار النفط. في الواقع، انتعشت أسواق النفط العالمية خلال الأسابيع السبعة الماضية، مدفوعة بشكل أساسي بالأخبار التي تفيد بأن اللقاحات ستكون متاحة قريبا لمكافحة جائحة كورونا. بالفعل نهاية محتملة للوباء توفر بعض الأمل في انتعاش الطلب العالمي على النفط الذي انخفض منذ بداية الوباء.
وفي أحدث توقعات الطاقة قصيرة المدى، أشارت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أنها تتوقع متوسط 49 دولارا للبرميل لخام برنت في عام 2021 وهو أعلى بنسبة 14 في المائة تقريبا من المتوسط المتوقع للربع الرابع من عام 2020. وتتوقع الإدارة ذلك في حين ستظل المخزونات مرتفعة، ومن المتوقع أن تنخفض بسبب ارتفاع الطلب العالمي على النفط وزيادة أقل من المتوقع في إنتاج مجموعة "أوبك +". تتوقع الإدارة أن يكون متوسط أسعار خام برنت 47 دولارا للبرميل في الربع الأول من عام 2021 ويرتفع إلى متوسط 50 دولارا للبرميل بحلول الربع الرابع.
الخطر السلبي الرئيس لأسعار النفط في عام 2021 هو السلالات المتحولة لفيروس كورونا الذي يهدد تعافي الاقتصاد والطلب على النفط بإغلاق وقيود جديدة على السفر. حيث من المرجح أن تؤدي سلالة فيروس كورونا الجديدة التي تم تحديدها لأول مرة في المملكة المتحدة، وحالات الإصابة المتزايدة في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأجزاء أخرى من أوروبا والولايات المتحدة إلى الحد من مكاسب أسعار النفط في الأشهر الأولى من عام 2021، في حين أن الأخبار الإيجابية عن اللقاحات ستكون بمنزلة عامل ضغط تصاعدي على الأسعار. الدافع الرئيس الآخر للزيادة الأخيرة في أسعار النفط هو الاتفاق على خفض سقف إنتاج مجموعة "أوبك +" ببطء في الربع الأول بدلا من مليوني برميل يوميا دفعة واحدة. حيث وافقت المجموعة على زيادة المعروض من النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميا بدءا من الشهر الحالي، أي: أقل بكثير من حاجز مليوني برميل في اليوم. مع ذلك، ليس بالضرورة أن تدعم النظرة المستقبلية الإيجابية للعام المقبل بيئة منخفضة التقلبات لأسعار النفط الخام، حيث لا تزال الشكوك قائمة على المدى المتوسط إلى الطويل، بشكل أساسي، من حيث تأثير (أ) أنماط الاستهلاك بسبب التغيرات في السلوكيات الناتجة بسبب عمليات الإغلاق المتعددة في جميع أنحاء العالم، (ب) انتعاش اقتصادي أبطأ مما كان متوقعا، (ج) التغيرات في الإنتاج العالمي من النفط الخام من داخل "أوبك" وخارجها، (د) شكل وهيكل العلاقة المتعلقة بالتجارة بين الولايات المتحدة والصين، (د) وتيرة تحول نظام الطاقة العالمي، بقيادة الاقتصادات العالمية الرائدة في المقام الأول، نحو الطاقة الخضراء. عموما هناك اعتقاد سائد أن أساسيات أسواق النفط في 2021 تسير على المسار الصحيح لدعم ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، ستواصل أسعار النفط الخام إظهار التقلبات، ومن المرجح أن تظل تحت الضغط، حتى يتم تلقيح الأغلبية العظمى من سكان العالم، خصوصا السكان النشطين اقتصاديا. الشركات التي يمكنها التكييف ونشر وتسخير فوائد البيانات والتقنيات الحديثة لإدارة المخاطر ستزدهر، وستكون في أفضل وضع للاستجابة للتحديات التي تطرحها الأوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية المتطورة.
إنشرها