اقتصاد حزبي بتكلفة باهظة 

 
دخل الاقتصاد التركي في حالة الركود الطويل منذ منتصف عام 2018. أي أن الأزمة الاقتصادية الحالية ليست ناجمة فقط عن الأعباء التي تركها تفشي وباء كورونا المستجد على الساحة العالمية، بل السياسيات الخاطئة. ولا شك أن الجائحة أضافت مزيدا من الأزمات إلى هذا الاقتصاد، لكن السياسات التي اتخذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أكثر من خمسة أعوام بفرض آرائه وقرارته العمياء، التي لا تصب في مصالح تركيا، أسهمت في نشر حالة من عدم اليقين، كما مكنت الخوف في أواسط المستثمرين الأجانب، ولا سيما صراعاته مع القائمين على الاقتصاد التركي، التي تجلت في إقالة حاكم المصرف المركزي، وعدد من القيادات الاقتصادية المحترفة التي كانت تدير الاقتصاد. أضف إلى ذلك، تعيين أردوغان أقاربه في مناصب اقتصادية حساسة، بما فيها تعيين صهره وزيرا للمالية، الذي اضطر للاستقالة بسبب فشله.

السياسات الاقتصادية في تركيا غامضة ومشوشة، وكلها تخضع للمعايير الحزبية التي تفرد أردوغان بفوائد عديدة، لكنها ليست كذلك بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني. وهذا هو السبب الرئيس للخلافات بين الرئاسة والقيادات الاقتصادية، التي رفضت قبل أن تخرج من الساحة قسرا، تدخل الرئيس في تحديد أسعار الفائدة، الأمر الذي دفع الليرة التركية من مستوى سيئ إلى آخر أسوأ، فضلا عن هروب أعداد كبيرة من المستثمرين الأتراك والأجانب من الساحة المحلية. ففي العامين الماضيين، شهدت تركيا عمليات تسييل مالية للأعمال فاقت كل التوقعات. ورغم أن الحكومة التركية بقيادة أردوغان، دخلت قبل أعوام مرحلة أطلقت عليها فترة إصلاح الاقتصاد، إلا أنها لم تحقق شيئا يذكر، لأنه سرعان ما شكلت التدخلات الرئاسية حجر الزاوية في هذه الإصلاحات. إضافة إلى هذه التداعيات الاقتصادية المختلفة، هناك التوترات السياسية بفعل سلوكيات الرئيس التركي في علاقاته مع دول الجوار ومع بؤرة التوتر في مناطق تبعد كثيرا عن الحدود التركية.

فالتوترات المتصاعدة مع الاتحاد الأوروبي، أسهمت في تقليص الثقة بالاقتصاد التركي، ودفعت المئات من المستثمرين إلى الهروب خارج نطاق تركيا خوفا من أي تداعيات اقتصادية أخرى شديدة على الوضع. أضف إلى ذلك أيضا، التوتر مع الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية، التي سعت في السابق إلى أن تشكل عونا لتركيا وشعبها. هذه السياسات أسهمت في قيام الأوروبيين والأمريكيين بفرض عقوبات على تركيا، ومن المتوقع أن تضاف إليها عقوبات أخرى جديدة في العام الجديد. مع ضرورة الإشارة، إلى أن تركيا استفادت طوال الأعوام الماضية من التسهيلات التجارية الهامة التي منحت لها من قبل المجموعة الأوروبية.

ولأن الأمر كذلك، سجلت تدفقات الاستثمار إلى تركيا تراجعا بلغ أكثر من 21 و17 في المائة في عامي 2018 و2019. وفرضت أزمة العملة التركية معاييرها على الساحة، ولا سيما بعد أن خسرت الليرة كثيرا من قيمتها أمام العملات الرئيسة الأخرى. إضافة إلى توقعات من قبل صندوق النقد الدولي بانكماش الاقتصاد التركي بحدود 5 في المائة. وهذا الانكماش ناتج عن سببين، الأول السياسات الاقتصادية المضطربة، والآخر الآثار التي تركتها جائحة كورونا على الساحة، في وقت لا يعرف أحد فيه إلى أي مدى ستمضي الأمور بالنسبة إلى الوباء العالمي. ومن هنا، فإن الاقتصاد التركي يمر بواحدة من أسوأ مراحله، خصوصا في ظل الأجواء العدائية التي نشرها رجب طيب أردوغان في المنطقة والعالم، فمعدلات البطالة ترتفع، والتضخم كذلك، والضغوط المعيشية على المواطن التركي تزداد يوما بعد يوم، ما يتنبأ لاقتصاد منحدر بالسقوط في الهاوية، ونتائج لا تحمد عقباها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي