Author

رقمنة الحمض النووي

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

شهدت العقود الماضية تحولات كبيرة في طريقة تخزين البيانات، حيث تم الانتقال من النسخ الورقية التقليدية إلى النسخ الرقمية التي لا تعمل على تحسين كفاءة إدارة البيانات فحسب، بل تعزز أيضا الوصول إليها بصورة أسرع وبشكل آمن. لقد تطور تنسيق تخزين البيانات الرقمية من البطاقات المثقبة أو الأقراص المرنة ذات سعة التخزين المحدودة إلى الإصدار الحالي من محركات الأقراص الصلبة الخارجية التي تصل سعتها إلى بضعة تيرابايت من إمكانات التخزين.
وينعكس هذا التقدم العلمي بشكل مباشر على الطريقة والكيفية التي تدار بها البيانات في العالم الرقمي، ويمكن اعتبار الابتكارات الحديثة حول جدوى تخزين البيانات في الحمض النووي الاصطناعي بمنزلة تقنية متطورة ستغير بشكل كبير الطريقة التي يدار بها تخزين البيانات لدينا حتى الآن. إن نظام التخزين هذا يعد أكثر كفاءة من الشريط المغناطيسي المستخدم في القرص الصلب، بسبب كثافة بيانات الحمض النووي حيث يمكن لجرام واحد من الحمض من الناحية النظرية تخزين ما يقرب من 215 مليون جيجا بايت وتبقى صالحة للقراءة حتى في ظروف تخزين غير مثالية كما ذكر بعض الدراسات الحديثة. لكن مع هذا توجد تحديات، ولا تزال تحت البحث العلمي، وهي أن عملية التخزين بطيئة وتتطلب معرفة تسلسل الحمض النووي قبل استرجاع البيانات منه، ولذلك فإن هذه الطريقة يمكن استخدامها في المهام التي تتطلب وصولا قليلا للبيانات مثل الأرشفة طويلة الأمد لكميات كبيرة من البيانات، وما زالت الأبحاث العلمية تتوالى في هذا السياق.
في العام الماضي، تم تقديم مفهوم الحمض النووي للأشياء DNA of Things، أو DoT الذي يستند إلى تشفير البيانات الرقمية في جزيئات الحمض النووي ويتم تضمينها بعد ذلك في الأشياء، بما ينتج كائنات تحمل مخططها الخاص Blueprint على غرار الكائنات الحية. على عكس إنترنت الأشياء Internet of Things أو IoT، وهو نظام من أجهزة الحوسبة المترابطة، يقوم الحمض النووي للأشياء بإنشاء كائنات عبارة عن نقاط تخزين مستقلة خارج الشبكة تماما. لقد قام الباحثون بطباعة ثلاثية الأبعاد لأرنب، أو ما يعرف بتجربة أرنب ستانفورد، يحتوي على مخططه في الخيوط البلاستيكية المستخدمة في الطباعة.
ومن خلال قص جزء صغير من أذن الأرنب، تمت قراءة المخطط ومضاعفته وإنتاج جيل جديد من الأرانب. إذن، نحن أمام تطور مذهل في الحمض النووي، لكن يوجد كثير من التساؤلات والاستفهامات: هل سنكون قادرين على حمل تيرا بايت من المعلومات داخل خلايا قليلة في أجسامنا؟ هل سنضطر إلى تغيير طريقة الامتحانات في المدارس كي تكون اختبارا مفتوحا open book and files؟ ألن يستغني أطفال المدارس في المستقبل عن حمل حقائب مدرسية ثقيلة؟ وهل سنتمكن من الاستماع إلى ملفات صوتية مخزنة في خلايانا عن طريق توصيل مستشعر صغير بأطراف أصابعنا؟ هل سيؤدي هذا إلى تغيير جذري في الشكل الذي سننشر به ونؤرشف فيه المؤلفات العلمية والصحف اليومية في المستقبل؟ هل يعني أننا أمام أرشفة كل الاجتماعات إلى داخل الحمض النووي حيث نستطيع الوصول إليها في أي لحظة؟ أسئلة كثيرة جدا لكن أهمها أخلاقي بحت، وهو هل نحن بعد أن تقدمنا في مجال علو البشرية والأنسنة، نسير ببطء نحو الهندسة العكسية من الإنسان إلى الروبوت؟ هل سنكون -نحن البشر- حزمة أو جزءا من موزع شبكي Network Hub في المستقبل؟ يبدو كأنه فيلم خيال علمي Sci-Fi، وسأترك مزيدا من الخيال لك أيها القارئ الكريم.

إنشرها