صراع «الملالي» .. الريبة تسيطر والمواجهات العلنية تتصاعد حدتها

صراع «الملالي» .. الريبة تسيطر والمواجهات العلنية تتصاعد حدتها

صراع «الملالي» .. الريبة تسيطر والمواجهات العلنية تتصاعد حدتها
الشعب الإيراني هو الضحية كما أنه الراغب بالانفتاح على العالم والتخلص من سيطرة النظام.
صراع «الملالي» .. الريبة تسيطر والمواجهات العلنية تتصاعد حدتها
حالة عدم الثقة تسود مؤسسات وأجهزة الدولة كافة.

تهيئ القيادة الإيرانية نفسها لتسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن السلطة في 20 يناير المقبل، إذ أقرت تشريعا نوويا جديدا للحصول على رضا وقبول الرئيس الأمريكي ديمقراطي الهوى والهوية، الذي كان نائبا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أول رئيس أسود منتخب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، الذي وقع على الاتفاق النووي مع طهران في عام 2015، ليرتفع سقف التوقعات الإيراني بانفراجة سياسية جديدة بقدوم بايدن، الذي صرح بأنه سيوقع اتفاقا جديدا، عقب الذي انسحب منه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، لتستبق طهران الأحداث وتطلق على حزمة القرارات النووية الجديدة اسم "خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية"، في ظل أجواء متوترة تخللها اغتيال محسن فخري زادة العالم النووي الإيراني المعروف بأبو النووي الإيراني، في عملية عسكرية معقدة، بحسب التقارير قد يكون الموساد الإسرائيلي يقف خلفها.
التشريع الإيراني النووي الأخير والمعتمد من مجلس الشورى الإيراني لم يلق قبول واستحسان الجميع، إذ واجه انتقادات عدة أبرزها مؤسسة الرئاسة الإيرانية، التي رأت - ممثلة في شخص الرئيس حسن روحاني - أن هذه الخطوة غير متروية ومتسرعة بعض الشيء، محذرا من عواقب هذه الخطوة، داعيا مجلس الشورى إلى فتح المجال أمام مؤسسة الرئاسة بالعمل وأخذ دورها كما يجب، مؤكدا بدعوته احتقاره للحياة الشورية في البلاد، ومرسخا سياسات المرشد الأعلى علي خامنئي بتهميش مؤسسات الدولة الأقل نفوذا، خصوصا تلك التي تمثل الشعب، إذ يمارس المرشد سياسة التفرد بالسلطة وإعلاء شأن المؤسسات المحسوبة عليه كالحرس الثوري، وتهميش مؤسسة الجيش العسكري النظامي الإيراني، الذي يتهم منذ تأسيس الثورة قبل نحو 40 عاما بالانقلاب على مبادئ الثورة الخمينية حتى يومنا هذا.
محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني كان أكثر دبلوماسية من الرئيس وتعامل مع الموقف من منطلق المناورة، خصوصا أنه قدم تعليقه أمام مؤتمر "حوارات البحر الأبيض المتوسط" في روما، مؤكدا نية الحكومة التعامل مع الخطة في حال اجتازت خطة العمل وجميع المراحل القانونية، وأن حكومة بلاده ستضطر إلى الامتثال لها، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة يمكنها منع هذه النتيجة إذا وفت بالتزاماتها، إذ تنص الخطة على وقف العمل الطوعي بالبروتوكول الإضافي الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى اتخاذ خطوات جديدة جوهرية على الصعيد النووي. وعلى وجه التحديد، إذا لم يتم رفع العقوبات خلال الشهرين المقبلين، فسيتعين على الحكومة بموجب هذا القانون التقليل من امتثالها للقيود المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، بهدف لفت انتباه الإدارة الأمريكية الجديدة، ودعوتها إلى التوقيع على اتفاق نووي جديد يخفف من الأعباء المدمرة التي يواجهها الاقتصاد الإيراني.
السلطة الأعلى في البلاد لم تبد رأيها في القرار الشوري الجديد، لكنها على وفاق من موقف الرئيس روحاني، كما أن المرشد علي خامنئي مشهور بسياساته الهادفة إلى إضعاف السلطتين التشريعية والتنفيذية، من خلال السماح لهما بالتصادم العلني، وتنفيذ خطط ومشاريع مغايرة لما ينتج عن الصراع الدائر بينهما، ليكون البرلمان ومؤسسة الرئاسة بلا لون ولا رائحة، ويكون المصدر الواحد والمتفرد بالسلطة هو مؤسسة المرشد الأعلى، التي تدار وفقا لمبادئ الثورة الإيرانية، التي تعد كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء، إذ تعيش السياسة الداخلية الإيرانية ضبابية كبيرة، تظهر تردد المرشد خامنئي، الذي لا يريد اتخاذ خطوات تصعيدية يمكن أن تحفز مزيدا من الضغط الاقتصادي على البلاد أو تطيح بعرض مستقبلي قد تقدمه إدارة بايدن لإجراء مفاوضات جديدة باعتماد اتفاق نووي جديد.
تفسر طريقة التعامل مع القرار الجديد برود النظام الإيراني، وتحديدا الحرس الثوري في الرد على عملية اغتيال العالم النووي زادة، إذ تواصل طهران سلسلة قدرتها على التحمل حتى مغادرة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، الذي نفذ أقسى حملة عقوبات على النظام الإيراني منذ الثورة الخمينية حتى يومنا هذا، إذ نجحت حملة الضغوطات القصوى في إرغام النظام الإيراني على الكف عن التدخل في شؤون دول المنطقة، إضافة إلى وقف مشروع التمدد الطائفي والميليشياوي، الذي انتهجته في سورية والعراق واليمن ولبنان، لكن هذا النظام لا يؤتمن جانبه، إذ يلعب بالأوراق المتاحة لديه قدر الإمكان، خصوصا في العراق، من خلال تنفيذ هجمات على السفارة الأمريكية في بغداد بأيد عراقية ذات طابع طائفي ومحسوبة عليها.
تعيش القيادة الإيرانية متلازمة لحالة البرود في الرد، تتمثل في عدم الثقة بالغرب، إذ تشعر القيادة السياسية بخيبة أمل جراء الصمت الأوروبي، وعدم تفاؤل التيار المتشدد، من عقد اتفاق نووي جديد يخفف من قبضة العقوبات المفروضة، إذ يكرر المرشد خامنئي أسطوانته في كل مناسبة يحضرها وآخرها اجتماع المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي الذي قال فيه "إنه لا يجدر بإيران تعليق الآمال على أوروبا"، متهما إياها بالتدخل في الشؤون الداخلية والإقليمية لبلاده، وبدلا من انتقاد سياساته الداخلية والخارجية التي جرت البلاد وبعض دول المنطقة إلى ما هي عليه الآن من أحوال، تحديدا بالتدخل في شؤون دول أخرى، إضافة إلى برنامجها النووي، وبرنامج الصواريخ، مضيفا أن "على الحكومات الأوروبية أن تقوم أولا بتغيير سياسة التدخل المدمر التي تنتهجها في المنطقة"، متغافلا عن دور بلاده الكارثي.
سياسة الشرطي الجيد والشرطي السيئ تمارسها طهران بطريقة تقليدية مقيتة، فلا قبول أوروبيا ولا استساغة أمريكية. التيار الإصلاحي شبه عاجز تماما، وحالة عدم الثقة تسود مؤسسات وأجهزة الدولة كافة، والشعب الإيراني هو الضحية، كما أنه الراغب في الانفتاح على العالم والتخلص من سيطرة نظام الملالي على البلاد، في ظل حالة فشل عنقودي مستعصية على النجاح في جميع مجالات الحياة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. لا يفلح هذا النظام سوى في التآمر على شعبه والآخرين، وبسط القبضة الأمنية المطلقة على الشعب الإيراني، فيما تبقى ثوابت القيادة الإيرانية غير فاعلة ولا توائم الوضع القائم داخليا وخارجيا، في الوقت الذي تتنعم فيه جنرالات وقيادات النظام يعيش الشعب الإيراني أقسى أيام حياته بسبب الفقر المدقع، وغياب أدنى مقومات الحياة الكريمة.

الأكثر قراءة