Author

المنافسة الرقمية واللعبة الصفرية

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تنامى حجم القضايا القانونية بين شركتي أبل وسامسونج فيما يخص براءات الاختراع وغيرها في صناعة الهواتف الذكية خلال الأعوام الماضية خصوصا قبل عشرة أعوام. ولم يكن هدف "أبل" كسب المعركة القضائية عام 2012 بما يقارب مليار دولار ولم تكن تطمح في أموال "سامسونج"، لكن أرادت بيع منتج فريد وتوقف الآخرين عن نسخ ابتكاراتها، غير أن المثير للاهتمام حقا هو أن شركة أبل تتعاقد مع شركة سامسونج في تصنيع هواتفها الذكية. إن أكثر من 40 في المائة من المحتوى التصنيعي في هاتف آيفون يأتي من شركة سامسونج. وكان بإمكان "سامسونج" ضرب "أبل" في مقتل من خلال عدم التعاون معها، لكن دعونا نر ما الذي يحدث؟ يطلق على هذا الترتيب الجديد المنافسة التعاونية Coopetition. لقد أسس التحول الرقمي عالما من حدود الصناعة المرنة، حيث قد يكون أكبر المنافسين في وضع غير متكافئ، ومن الممكن أن تكون الشركات المتنافسة من خارج الصناعة لا تشبه اللاعبين الحاليين، لكنها تقدم قيمة تنافسية للعملاء. وهنا يأتي أهم مصطلح في عناصر الاستراتيجية وهو المنافسة الرقمية Digital Competition. تحدثنا سابقا عن الوساطة الرقمية Digital Intermediation وكيف نجد جملا من القيم إلى العميل في متسلسلة القيم، كما يوجد كذلك مفهوم اللاوساطة الرقميةDigital Disintermediation الذي يعيد تشكيل العلاقات التجارية وزعزعة صناعات من خلال التواصل المباشر والقفز في سلسلة التوريد إلى العميل مباشرة، مثل استبعاد الصحف الورقية من خلال مواقع الويب المبوبة مثل Craigslist أو Monster.com أو استخدام موقع يوتيوب لإطلاق ألبومات غنائية من الفنان نفسه والاستفادة المالية من عدد المشاهدات والمتابعين ومشاهدة الإعلانات التجارية بما يضعف شركات الإنتاج والتوزيع. وعليه تؤدي اللاوساطة الرقمية إلى تغيير الشراكات وسلاسل التوريد، فقد يصبح شريكنا التجاري منذ فترة طويلة أكبر منافس لنا إذا كان هؤلاء الشركاء يخدمون عملاءنا مباشرة. وفي الوقت ذاته، قد نحتاج إلى التعاون مع منافس مباشر بسبب نماذج الأعمال المترابطة أو التحديات المتبادلة من خارج صناعتنا، تماما كما يحدث بين شركتي أبل وسامسونج. والشركتان تمثلان نسقا متميزا في التحول الرقمي، حيث إنهما تتنافسان في جانب وتتعاونان في جانب آخر. لقد أصبحت المنافسة الرقمية على نحو متزايد من النفوذ والهيمنة بين الشركات التي لديها نماذج أعمال مختلفة للغاية، إذ تسعى كل منها إلى كسب مزيد من النفوذ والتأثير في خدمة العميل النهائي.
إن فكرة اللعبة الصفرية Zero Sum Game لا يمكن أن تتعايش مع الواقع الرقمي التي تنص على كسب مؤقت لشركة ما، لأن النظرة الصفرية للمنافسة تؤسس سباقا نحو القاع لا يمكن لأحد الفوز به. لقد صاغ راي نوردا رجل الأعمال الأمريكي مصطلح "المنافسة التعاونية" وقدمه البروفيسور آدم براندنبورجر والبروفيسور باري نالبوف في كتاب يحمل الاسم نفسه Coopetition في عام 1996. ومن وجهة نظر كل من براندنبورجر ونالبوف فإنه يجب أن تتعاون الشركات المنافسة من أجل تنمية الربح - الكعكة - في السوق، لكن في الوقت نفسه تتنافس مع بعضها بعضا لتقسيم الكعكة والفوز بأكبر ربحية ممكنة. يقول البروفيسور ديفيد روجرز، أستاذ كلية إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا: "غالبا ما تكون الاستراتيجية الصحيحة للشركات المتنافسة مزيجا من المنافسة والتعاون على جبهات مختلفة". لقد انتقد مايكل بورتر، أشهر مفكر إداري في المنافسة، وجهة النظر التي تنص على المنافسة لتكون الأفضل ويحذر من أنها طريق للحصول على حصة بسيطة في السوق. ولعلنا نتذكر إصرار جاك والش الرئيس التنفيذي السابق لشركة GE الذي اشتهرت سياسته على أن تكون منتجات الشركة رقم 1 أو 2 في كل صناعة، لكن أدت إلى حروب أسعار وربحية منخفضة لكل المتنافسين.
لطالما قامت أجهزة "أبل" بتشغيل "جوجل" كمحرك افتراضي للبحث، بينما يمثل "فيسبوك" التطبيق الأكثر شيوعا على أجهزة الجوال ويتبع "آيفون" و"سامسونج" وغيرهما. وتتوافر وسائط "أمازون" على أجهزة "أبل" و" أندرويد"، رغم التنافس المباشر مع متاجر "أبل" و"جوجل"، وتقوم "سامسونج" بتصنيع عديد من المكونات المهمة لأجهزة "أبل"، كما ذكرنا سابقا، وتتنافس مع هواتفها أو منتجاتها الخاصة. إن أحد الأسباب في هذا التعاون التنافسي هو قوة المنصات الرقمية، كما ذكرنا في مقالات سابقة. قوة "جوجل" في محركات البحث، و"أمازون" في توزيع الوسائط، و"فيسبوك" في الشبكات الاجتماعية، و"أبل" و"أندرويد" في أنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة، وهذا يعني أنه لا يمكن لأي من هذه الشركات استبعاد منافسيها عن عملائها. لكن يمكن للشركات توقع التنافس مع مزيد من الشركات التي لا تشبهها كثيرا، وهذا تحول من المنافسين المتماثلين إلى غير متكافئين، لأن المنافسين المتماثلين قدموا قيما ونماذج أعمال مماثلة للعملاء. على سبيل المثال لدى "بي إم دبليو" و"مرسيدس - بينز" علامات تجارية مميزة قد تعجب السائقين المختلفين، لكن عروضهما متشابهة إلى حد كبير. إن المنافسين غير المتكافئين مختلفون تماما، لأنهم يقدمون قيما مماثلة إلى العملاء، لكن نماذج أعمالهم ليست هي ذاتها. على سبيل المثال قد يشتمل التنافس غير المتماثل على خدمة مشاركة الركوب مثل خدمة "أوبر" مع مصنعي سيارات مثل "بي إم دبليو." إذا اشترى العملاء عددا أقل من السيارات، فقد يكمن السبب في أن" أوبر" تلبي احتياجات النقل الخاصة بهم. أخيرا، تمثل المنافسة الرقمية جانبا حيويا في الاستراتيجية الحديثة، ويجب أن تتماثل مع التشريعات والأنظمة المناسبة التي تخول دخول الشركات الأفقي والرأسي في عدة صناعات مختلفة، بما يخدم العميل ويقدم له قيمة وتكلفة مناسبتين.

إنشرها