Author

من 20 إلى 21 .. استكمال المسار

|

قد نختصر ملامح بيان الميزانية، الذي صدر الثلاثاء الماضي، فيما يلي: التفاعل مع ظروف الجائحة العالمية بشكل موفق حفاظا على الصحة، وهي أهم مكتسبات الوطن والمواطن، وتسيير النفقات في 2020 وتخطيطها في 2021 بشكل متوازن لا يخل بأي منظومة حيوية مهمة على مستوى القطاعات، وتكوينها لنسبة منضبطة ومعقولة من الدين نسبة إلى الناتج المحلي تتفق إجمالا مع النسب المستهدفة بفارق بسيط مسيطر عليه. وهذه الحقيقة مما يشاد به، سواء على مستوى الشفافية المستمرة، التي لم يتدن مستواها حتى في ظروف هزت اقتصادات عالمية وما زالت تؤثر فيها بشكل كبير، أو في المحافظة على مستهدفات وضعت قواعدها الاستراتيجية قبل ثلاثة أعوام تقريبا، وما زالت في خريطة العمل والإنجاز.
السيطرة على متغيرات وظروف جائحة الـ"كوفيد"، أمر يستحق التوقف. هذه الظروف الاستثنائية ليست مما يمكن السيطرة عليه بتلك السهولة على مستوى الدول. تقول التقديرات: إن إجمالي الإجراءات المالية قد يتجاوز عشرة تريليونات دولار، تشمل تأثر الإيرادات سلبا وزيادة النفقات الصحية وغير الصحية وبرامج الاستدانة، تقود هذه التأثرات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والدول الأوروبية. عالميا، يتوقع أن يسجل الاقتصاد العالمي انكماشا يزيد على 4 في المائة مع عودة إلى النمو الإيجابي في 2021. في الحالة المحلية، لم يكن التأثر من الجائحة فقط وما تبعها من نفقات إضافية أو اضطراب في الناتج المحلي والحركة الاقتصادية، بل إن المكون الأساس للإيرادات تأثر مرتين في الربع الثاني لعام 2020 "تراجع متوسط أسعار نفط برنت وتراجع متوسط الإنتاج"، ما أثر في انخفاض الإيرادات الأخرى 18.9 في المائة مقارنة بالعام السابق، ومع ذلك تشير التوقعات إلى تحصيل أرباح استثنائية من استثمارات الحكومة تشكل - بإذن الله - رافدا متناميا في الأعوام المقبلة.
ومن يراجع أبرز الإنجازات المحلية التي حصلت خلال 2020، على الرغم هذه الظروف وفي ظل تأثر الإنفاق وتعطل الحركة فترة استثنائية ليست قصيرة، سيجد أن القائمة طويلة، وتشمل كل القطاعات بلا استثناء. الملفت في الأمر، أن هذه الإنجازات احتوت على ما يرتبط بالتجاوب مع الجائحة، مثل المجهودات الصحية والأمنية والتعليمية، التي لا تخفى على أحد، وكذلك احتوت على مستهدفات سابقة رسمت قبل بداية 2020 وتم الحرص على إنجازها خلال 2020 مع ضبط التأثر بالجائحة، مثل استكمال برامج الإسكان وتعزيز الريادة التقنية والرقمية للمملكة، وإنجازات البيئة والمياه والزراعة، التي شملت برامج التشجير ورفع نسب الاكتفاء الذاتي غذائيا "مثل الدواجن والخضار". قطاع الصناعة والثروة المعدنية حافظ كذلك خلال 2020 على الإنجازات المستمرة، بالنمو في عدد المنشآت الصناعية بنسبة 9.6 في المائة حتى أكتوبر، ومضاعفة تصنيع الكمامات والمعدات الطبية استجابة للجائحة. ونجد أيضا أن قطاع السياحة والثقافة لم يخبُ نشاطه على الرغم من أنه تجاريا كان من أكثرها تأثرا، فتم إطلاق الصناديق والبرامج، مثل "برنامج الابتعاث الثقافي"، وإطلاق حملة موسم صيف السعودية "تنفس"، التي لاقت رواجا استثنائيا بعد فتح الحركة خلال فترة الصيف. قائمة إنجازات 2020 طويلة لا تنتهي، وتشمل - بكل تأكيد - أنشطة العدل والتجارة والنقل، وكل الجهات والأطراف الأخرى التي أسهمت بتفاعلها مع هذه الأنشطة في تحقيق جزء كبير من مستهدفاتها.
عند النظر إلى المستهدفات المالية والاقتصادية على المدى المتوسط وتوجهات ميزانية 2021، نجد أن المسار المرسوم منذ 2017 لا يزال يحتفظ بالملامح نفسها، إذ تشير مستندات الميزانية في ذلك الوقت إلى "تحقيق ميزانية متوازنة بحلول 2020، من خلال تعزيز الإيرادات غير النفطية ورفع كفاءة الإنفاق والعمل على تحقيق الانضباط المالي". وهذا ما تحقق وبدأ بالظهور، على الرغم من آثار الجائحة، فمحفزات النمو الاقتصادي لا تزال ضمن أولويات ميزانية 2021، وإجراءات تطوير إدارة المالية العامة لتعزيز الكفاءة والفاعلية والشفافية هي أيضا تحت النظر، تحقيقا لمستهدفات التوازن الاقتصادي. ما ترسمه قوائم المستهدفات على مستوى القطاعات من تعزيز البنى التحتية وتحفيز القطاع الخاص بمعدلات الإنفاق المخطط نفسها، يؤكد ذلك.

إنشرها