Author

تطورات ميزانية 2021

|

يتضمن بيان وزارة المالية عن ميزانية العام المالي 2021 أهم التطورات المالية شبه الفعلية للعام المالي 2020، وخطط وتوقعات الوزارة للعام المالي 2021. وما زالت النتائج النهائية للعام المالي 2020 غير مكتملة، حيث سيستمر الصرف من بنود الميزانية لبعض الوقت، كما أن العام المالي لا ينتهي إلا بنهاية شهر ديسمبر. ولهذا فإن تقديرات الصرف والإيراد الفعلي للعام المالي 2020 الواردة في البيان شبه مؤكدة، لكنها غير نهائية. ويقدر بيان ميزانية 2021 وصول إجمالي الإنفاق الحكومي الفعلي خلال 2020 إلى 1068 مليار ريال، وهو أعلى من توقعات بيان ميزانية 2020 البالغة 1020 مليار ريال بنحو 4.7 في المائة. وزاد الإنفاق الفعلي خلال العام المالي 2020 على المقدر في ميزانيته، وذلك بسبب التكاليف الطارئة الإضافية التي نتجت عن جائحة كورونا، أما إيرادات الدولة خلال 2020 فستصل إلى نحو 770 مليار ريال، وهي أقل من تقديرات ميزانية 2020 (البالغة 833) بنحو 7.6 في المائة.
كان 2020م عاما استثنائيا بكل المقاييس حيث تأثر بشكل قوي وسلبي بأزمة جائحة كورونا التي هزت الاقتصاد العالمي في جميع قطاعاته. وتسببت الأزمة فيما يسمى الإغلاق العظيم، وأسوأ انكماش اقتصادي عالمي منذ الكساد العظيم. وقاد الانكماش الاقتصادي العالمي إلى خفض قوي للطلب النفطي، ما هوى بأسعاره. وتصدت منظمة الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها المملكة لتراجع أسعار النفط في بداية العام، وذلك من خلال إجراء خفض كبير لحصص إنتاج دول المنظمة والدول المتضامنة معها. وتسبب هبوط أسعار وإنتاج النفط في انخفاض حاد لإيرادات المملكة النفطية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد قاد الإغلاق العظيم أيضا إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية غير النفطية على مستوى العالم والمملكة، ما خفض الإيرادات غير النفطية وتفاقم خلال الربع الثاني من 2020. وقاد التراجع الحاد في الإيرادات إلى اتخاذ إجراءات مالية استثنائية بزيادة ضريبة القيمة المضافة وبعض الرسوم الأخرى، وخفض بعض النفقات الحكومية وتوجيهها لتغطية تكاليف التعامل مع الجائحة ونتائجها.
تشير البيانات الربعية للميزانية إلى تراجع الإيرادات المالية خلال أرباع العام المالي 2020، لكن فترة الربع الثاني شهدت أسوأ تراجع في الإيرادات النفطية وغير النفطية حيث انخفض إجمالي إيرادات الفترة بنسبة 49 في المائة. وهوت خلال الفترة إيرادات الضرائب على السلع والخدمات بنحو 71 في المائة، ما يؤكد التأثير القوي للإغلاق في الأنشطة الاقتصادية، وخفض الناتج المحلي الاسمي للربع الثاني 2020 بنحو 23.8 في المائة. وتعبر إيرادات الضريبة بشكل أو آخر عن حجم الطلب على السلع والخدمات.
يتأثر الإنفاق الفعلي للميزانية بتطورات الإيرادات النفطية التي تحددها بدرجة كبيرة تقلبات أسعار النفط الخام. وشهدت أول عشرة أشهر من 2020 تراجعا نسبيا في أسعار النفط مقارنة بالعام السابق، حيث كان متوسط سعر برميل خام النفط العربي الخفيف 40.57 دولار خلال الفترة، ويقل هذا عن متوسط سعره البالغ 63.91 دولار للبرميل في 2019 بنحو 37 في المائة. يشكل النفط العربي الخفيف معظم صادرات المملكة من النفط الخام وتعكس أسعاره إلى حد كبير أسعار صادرات المملكة النفطية. إضافة إلى ذلك خفضت المملكة إنتاجها النفطي للوفاء بالتزاماتها للدفاع عن أسعار النفط، حيث تراجع بأكثر من نصف مليون برميل يوميا في أول عشر أشهر من 2020، مقارنة بمتوسط إنتاج العام السابق. قادت هذه التطورات إلى خفض إيرادات النفط الحكومية بنحو الثلث خلال العام. من جهة أخرى شهدت الإيرادات غير النفطية خلال 2020 تراجعا حادا، لكن زيادة ضريبة القيمة المضافة وبعض الرسوم حدت كثيرا من هبوطها السنوي إلى 16.9 في المائة.
واجهت السياسة المالية خلال 2020 تحديات قوية نتيجة لتراجع الإيرادات النفطية وغير النفطية، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، والتكاليف الطارئة الإضافية لمواجهة الجائحة. وولدت هذه التحديات ضغوطا متباينة على السياسة المالية لتعويض تراجع الإيرادات وتراجع النشاط الاقتصادي الذي تطلب زيادة الإنفاق. من جهة أخرى، أسهمت سياسة تنويع الإيرادات طويلة الأمد والهادفة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية في تخفيف الضغوط على السياسة المالية خلال الأزمة. ورفعت السياسات المالية مصحوبة بتراجع إيرادات النفط مساهمة الإيرادات غير النفطية في الإيرادات العامة، حيث ارتفعت في 2020 إلى 46.5 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة للدولة. وكانت أبرز زيادات الإيرادات خلال الأعوام الماضية في مجال تحصيل الضرائب وعوائد الاستثمار. ويتوقع أن تصل حصيلة الضرائب عام 2020 إلى 196 مليار ريال متراجعة بنسبة 10.7 في المائة مقارنة بمستواها عام 2019. وقادت حزمة الإصلاحات المالية والهيكلية التي تتضمن زيادة عوائد الاستثمارات العامة، وخصخصة الاقتصاد، ومراجعة الدعم الحكومي بما في ذلك الدعم المقدم لمنتجات الطاقة، وزيادة الرسوم الحالية واستحداث رسوم جديدة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفعها إلى زيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية.
تقدر إيرادات الدولة العامة للعام المالي 2021 بنحو 849 مليار ريال، حيث سترتفع الإيرادات غير النفطية، خصوصا الإيرادات الضريبية التي ستصل إلى 257 مليار ريال، وذلك نتيجة للتعافي المتوقع للاقتصاد. من ناحية أخرى تشير تقديرات الإيرادات الأخرى أن هناك تحفظا واضحا في نمو الإيرادات النفطية لعام 2021. وجاء هذا التحفظ للحد من ميول المبالغة في الإنفاق. وولد تطوير لقاحات لجائحة كورونا أملا في تلاشي تأثير الجائحة العام المقبل، ما قد يقود للإفراط في تقدير التعافي الاقتصادي العالمي. ويبشر تطوير لقاحات للجائحة بتحسن المناخ الاقتصادي العالمي، ورفع الطلب النفطي وأسعاره التي بدأت ملامحه تظهر في الأفق، وكذلك عودة نمو القطاعات الاقتصادية المتضررة بالجائحة، ما سيعزز الإيرادات النفطية وغير النفطية.
يقدر بيان الميزانية مصروفات العام المالي المقبل 2021 بحدود 990 مليار ريال. وهذا يشير إلى توجه بخفض الصرف الكلي، خصوصا الرأسمالي لترشيد الإنفاق وتحقيق الاستدامة المالية، والحد من تأثير مخاطر تقلبات الإيرادات النفطية. وأعتقد أن إجمالي إنفاق الميزانية الفعلي العام المقبل سيتجاوز الإنفاق المخطط في الميزانية إذا تحققت زيادات ملموسة في الإيرادات النفطية، وذلك من أجل تحفيز الاقتصاد ودعم نموه كما توصي المؤسسات الدولية. ويعد الإنفاق الحكومي في المملكة القاطرة التي تجر عربات الاقتصاد الوطني، وأي خفض كبير في مستوياته سيقود إلى تراجع النمو الاقتصادي. وهذا لا يقلل أهمية الاستمرار في إصلاح سياسات الإنفاق وزيادة كفاءة الإنفاق وتوجيهه لأكثر القطاعات أهمية لرفاهية شعب هذه البلاد الكريمة، خصوصا الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية.
يقدر بيان ميزانية 2021 بأن يرتفع العجز المالي لميزانية 2020 عن تقديرات ميزانية 2020 بأكثر من 110 مليارات ريال، حيث سيبلغ نحو 298 مليار ريال، أو نحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وجاءت الزيادة استجابة للتطورات الاقتصادية التي تسببت فيها الجائحة. ويزيد مستوى العجز لهذا العام بنسبة 124 في المائة عن مستواه في 2019. أما بالنسبة لعجز الميزانية في 2021، فسيتراجع إلى 141 مليار ريال حسب تقديرات بيان الميزانية، ما سيمثل خفضا بنسبة 52.7 في المائة عن مستوى 2020. وجاءت تقديرات العجز العام المقبل أقل من العجز الفعلي العام الحالي بسبب التحسن المتوقع في المتغيرات المالية. وتشير الخطط المالية متوسطة المدى إلى توجه لخفض العجز المالي إلى مستويات مستدامة خلال عامين.

إنشرها