Author

حوكمة لمصداقية شركات تدقيق الحسابات 

|

 مع تعاظم الأخطاء، حتى التجاوزات التي ارتكبتها شركات تدقيق الحسابات الرئيسة في بريطانيا، تحركت الحكومة البريطانية من أجل وضع حد لهذه التجاوزات التي بلغت مستوى الفضائح والتلاعب والتضليل في السوق المالية. الذي طرح هذا الموضوع على الساحة بإلحاح، إعلان شركة "وايركارد" إفلاسها أخيرا، وهذه الشركة كبيرة، وخضعت بالفعل لتدقيق حسابات وفق الأنظمة المعمول بها في البلاد، إلا أن شركات تدقيق الحسابات يبدو أنها غضت الطرف عن جوانب حسابية مهمة في هذه الشركة، الأمر الذي وصل إلى حد إعلان إفلاسها.

والقواعد الرقابية البريطانية شديدة على كل حال، إلا أن المخالفات أو المبالغات تحدث حتى في عز وجود قوانين صارمة، خصوصا أن قطاع تدقيق الحسابات في المملكة المتحدة تحتكره أربع مؤسسات معروفة، هي "ديلويت"، و"برايس ووترهاوس كوبرز"، و"إيرنست آند يونج"، و"كاي بي إم جي".

والحق أن مشكلة شركات تدقيق الحسابات، تذكر بالمشكلات الكبيرة التي تعرضت لها شركات التصنيف الائتماني في أعقاب انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. فأغلبية المؤسسات المالية، التي انهارت بصورة مفاجئة جراء الأزمة المشار إليها، كانت تتمتع بتصنيفات ائتمانية عالية، من شركات معدودة أيضا على الساحة العالمية. وبعد الأزمة الاقتصادية، شاعت دعوات إلى تصنيف مؤسسات التصنيف نفسها، لأنها هي الأخرى يجب أن تخضع للتقييم الدوري من جانب جهات محايدة.

ومن هنا، فإن الفضائح التي تنال حاليا من سمعة شركات التدقيق البريطانية الأربع، زادت من توتر السوق التي تعرضت أصلا لتوترات متصاعدة بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا المستجد، مع ظهور إشارات من قبل جهات ذات قيم اعتبارية بأنه قد يكون التسيب في هذا المجال أوسع مما هو معروف حاليا. قطاع شركات تدقيق الحسابات في بريطانيا، وجد نفسه مضطرا الآن أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة تنظيم عمله في البلاد، والسلطات التشريعية الرسمية تشجع - بالطبع - على إعادة التنظيم، لضمان معايير جودة أعلى في مجال حساس ودقيق، وهو صدق دفاتر الحسابات في الشركات، خصوصا تلك التي تشغل آلاف الموظفين، وتتمتع بحصص كبيرة في كل القطاعات.

وهذا يعني ضرورة تعزيز الحوكمة الضرورية، الأمر الذي يعزز بالتالي الشفافية التي تسعى السلطات البريطانية إلى الحفاظ عليها وتنميتها بما ينعكس إيجابا على استقطاب مزيد من الأعمال والاستثمارات. باختصار، تدفع الحكومة حاليا بمزيد من الإجراءات الصارمة في مجال تدقيق الحسابات، للوصول إلى أفضل مستوى من الحوكمة، ودعم مصداقية شركات التدقيق في المستقبل، لكن ليس قبل أن يعاد فتح طبيعة قطاع شركات التدقيق. سيطرة أربع شركات على قطاع تدقيق الحسابات في اقتصاد كبير مثل الاقتصاد البريطاني، تتعارض مع كل الخطوات لتأمين أعلى مستوى من الحوكمة، وهذا ما تتفق عليه المنظمات غير الحكومية المرتبطة بصور مختلفة بهذه السوق الحيوية.

ومن هنا، يتم الآن العمل على فك احتكار الشركات الأربع، وفتح السوق لمزيد من التنافسية، فانهيار شركة "واير كارد" أخيرا، فتح سلسلة من الدعاوى القضائية ليس في بريطانيا فحسب، بل في دول أخرى مرتبطة بهذه الشركة، ولا سيما على صعيد المستثمرين الألمان، الذين ضخوا أموالا في الشركة المذكورة، واستندوا إلى النتائج التي توصلت إليها شركات تدقيق الحسابات نفسها.

المرحلة المقبلة ستشهد - بالفعل - إعادة هيكلة قطاع في المملكة المتحدة كان تحت سيطرة شبه كاملة لأربع شركات.

إنشرها