Author

قمة الكبار ونهج الاقتصاد الدائري

|
أقر وزراء الطاقة لمجموعة العشرين على نهج طاقة أنظف التي تشمل الاقتصاد الدائري للكربون الذي يعد نهجا كليا وشاملا ومتكاملا وواقعيا ويعمل على إدارة الانبعاثات ليهدف إلى توفير مسارات جديدة نحو النمو الاقتصادي. وقبل الشروع في الحديث عن الاقتصاد الدائري للكربون دعونا نتعرف على ما هو الاقتصاد الدائري أولا.
الاقتصاد الدائري هو مصطلح نسمعه كثيرا هذه الأيام، وسنتناول في مقالنا اليوم ما نعنيه بهذا المصطلح، وكذلك كل ما يمكننا القيام به للتحول من اقتصادنا الحالي إلى الاقتصاد الدائري مع استخدام بعض الأمثلة التوضيحية. وأول ما ينبغي معرفته عن الاقتصاد الدائري أنه ينطوي على ما هو أكثر بكثير من مجرد إعادة التدوير.
ومعنى الاقتصاد الدائري بكل بساطة وجمال هو إدارة الاقتصاد مثلما نرى كيف تجري الأمور في الطبيعة من حولنا، حيث تستخدم النباتات ثاني أكسيد الكربون والمغذيات حتى تنمو وأثناء ذلك تقوم بإنتاج الأكسجين، ثم تستخدم الحيوانات الأكسجين وتنتج ثاني أكسيد الكربون والمواد المغذية. ومن ثم فلا يضيع أي شيء في هذا النظام الذي يمثل حلقة مغلقة. ويعارض الاقتصاد الدائري عموما الاقتصاد الخطي القائم على نموذج الاستخراج ثم التصنيع ثم التخلص الذي نتبعه منذ أعوام عديدة. ويستخدم بعض الأشخاص أيضا لتوضيح المقصود من الاقتصاد الدائري مصطلح "من المهد إلى المهد" بدلا من مصطلح "من المهد إلى اللحد".
الاقتصاد هو أحد مكونات المجتمع الذي يعد جزءا من البيئة. ومن الناحية الاقتصادية يمكننا تقسيم المواد التي نحتاج إليها للوصول إلى تكوين حلقات مغلقة إلى فئتين: المواد التقنية والمواد البيولوجية. وبالنسبة للمواد التقنية فإن دورة حياتها النموذجية تبدأ باستخراج المواد الخام ثم تصنيع المنتج ثم استخدامه حتى نهاية عمره الافتراضي. وفي الأغلب ما نميل عند ذكر نهاية العمر الافتراضي إلى التفكير في أهمية إعادة التدوير وهذا صحيح، ولكن كي يكون اقتصادنا دائريا هناك عديد من الأمور التي يمكننا القيام بها قبل نهاية العمر الافتراضي، وأول هذه الأمور استخدام الموارد المستخرجة بالفعل، بمعنى أنه لو كان منتج ما يحتاج إلى النحاس فمن الأفضل تعدين النحاس الذي لم يعد مستخدما والذي يطلق عليه أيضا اسم سابق الاستخدام بدلا من تعدين بعض النحاس الجديد من الأرض. وتتجلى أهمية ذلك عندما نعلم أنه من المتوقع أن يتم استنفاد النحاس في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2040 وأن معالجة النحاس المعاد تدويره تستخدم 10 إلى 20 في المائة فقط من الطاقة اللازمة لمعالجة النحاس الجديد من الخام البكر. وكذلك عند تصنيع المنتج يمكن تصميمه بحيث يكون قابلا للتفكيك بسهولة حتى تتسنى إعادة تدوير النحاس بسلاسة في الاستخدام التالي.
أيضا من الممكن تصنيع المنتج بحيث يستمر لفترة طويلة، ويكون قابلا للصيانة والإصلاح. ويمكن تصميم المنتج بحيث يستخدم أقل قدر ممكن من الطاقة. وبمجرد أن يتعذر استخدام المنتج، يجب إعادة تدويره. وهنا يبرز سؤال مهم، وهو هل حافظت المواد المعاد تدويرها على جودتها بشكل يسمح باستخدامها في منتجات مماثلة؟ أم لا تصلح إلا لإعادة التدوير إلى مواد ذات جودة أقل؟.
أما المواد البيولوجية فيتم استزراعها أو جمعها ومن ثم معالجتها ونقلها قبل وصولها إلى المستهلك. وبمجرد استهلاكها يمكن استخدامها لإنتاج الغاز الحيوي أو المواد الكيميائية الحيوية أو تحويلها إلى سماد، ما يعني أنها في النهاية يمكن أن تعود إلى الطبيعة وتسترد. لكن مرة أخرى لا شيء يذهب إلى مكبات النفايات في نموذج الاقتصاد الدائري. ويمكن تطبيق إحدى استراتيجيتين انتقاليتين مفيدتين للغاية أثناء محاولة إنشاء الاقتصاد الدائري، وهما الاستبدال وتقليل المواد.
الاستبدال هو استخدام موارد مختلفة لتحقيق الهدف نفسه. على سبيل المثال ينفد الليثيوم في العالم حاليا، لذا ما لم نتمكن من إعادة تدوير بطاريات الليثيوم بشكل أكثر كفاءة فقد تكون بطاريات أيون الصوديوم خيارا وبديلا أفضل لمصنعي السيارات في المستقبل.
أما تقليل المواد فيشير إلى استخدام موارد أقل لأداء الوظيفة الاقتصادية نفسها في المجتمع. على سبيل المثال شركة إنترفيس هي أكبر مصمم ومصنع لوحدات السجاد التجاري في العالم. ولكن الشركة توقفت عن بيع السجاد، وأصبح عملاؤها يشترون خدمة تغطية أرضياتهم بالسجاد، في حين أصبحت الشركة مسؤولة عن صيانة وإصلاح السجاد وهي تقوم بذلك بكفاءة عالية لأن هذا هو تخصصها وهي التي تتحكم في العملية برمتها. ولأن السجاد تحول إلى وحدات متراصة أصبح يمكن استبدال تلك الوحدات التي تحتاج إلى استبدال فقط، مع عودة الوحدات القديمة إلى المصنع لإعادة تدويرها، حيث تصل نسبة المحتوى المعاد تدويره أو المحتوى القائم على أساس حيوي عند تصنيع الوحدات الجديدة إلى 98 في المائة، وهي نسبة يمكن وصفها بالدائرية.
وبطبيعة الحال فإن إنشاء اقتصاد دائري هو جزء واحد فقط من أحجية الاستدامة، ويجب أخذ عديد من الجوانب الأخرى في الحسبان للوصول إلى استدامة 100 في المائة، مثل تغير المناخ، والطاقة المستدامة، والزراعة المستدامة، والاستدامة الاجتماعية وغيرها.
إنشرها